

توحيد الصف الكردي أم ترميم الأحجار المكسّرة؟!
2020-01-09
الكاتب: سيدار جان:
يتناوب طرفا المعادلة السياسية الكردية في سوريا، والمتمثّلان بكل من المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، على رمي الكرة، كلٌ إلى ملعب الآخر؛ بعد مبادرة توحيد الصف الكردي، التي أطلقها الجنرال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، في ظل ضغوطات أمريكية على الطرفين، إلى جانب رغبةٍ روسيةٍ، وترحيبٍ من إقليم كردستان العراق، ومن رئيسه السيد نيجيرفان بارزاني.
وبرغم المبادرات العديدة السابقة، إلا أنّ الأخيرة تُظهر، على الأغلب، نوعاً من الرغبة الفعلية في إتمامها، وقد تكون الظروف السياسية الحالية مناسبةً فعلاً للوصول إلى شراكة ما، بين الطرفين المتخاصمين؛ وبخاصةٍ بعد العدوان التركي على مناطق شرقي الفرات واحتلال رأس العين وتل أبيض، والتعاطفِ الدولي الكبير - للمرة الأولى - مع الكرد في سوريا ضد الرئيس التركي أردوغان.
ناهيك عن ضرورة اعتراف الطرفين بعدم مقدرة كل منهما على إقصاء الآخر، في العملية السياسية، وبالأخص بعد التصريحات الإعلامية المختلفة التي مفادها أن الحل في سوريا بات قريباً.
رمي الكرة في ملعب الآخر لا يعني، بالضرورة، فشلَ المبادرة من قبل طرف أو آخر، لكن قد تكون عمليةَ جسّ نبض أخيرةً، قبل الدخول في حوارات حقيقية، تفضي إلى تنازلات من الطرفين؛ في حال أرادا النجاح.
بلغة مبسَّطة؛ الطرفان المتخاصمان سياسيّان، واستناداً إلى الواقع والمنطق فإنهما يسعيان إلى مصالحهما، وهذا طبيعي، وإنّ "المكتسبات" التي بين أيدي الكرد، في الوقت الحالي، قد يتم الاتفاق بشأنها على هيئة إدارة مشتركة أو محاصصة أو توافق يرضي الطرفين؛ وذلك في حال تمّت إجراءات بناء الثقة؛ حول إظهار مصير المعتقلين أو المخفيّين، وهم 10 أشخاص بحسب القائمة المعلنة من قبل الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكردي، إلى جانب اتخاذ المجلس ذاك موقفاً، في الوقت نفسه، من الائتلاف السوري المعارض.
لكن، من غير الطبيعي أن يتم الأمر دون الاحتكام إلى إرادة الناس في شرقي الفرات؛ فأيُّ كيان سيتشكّل من جديد أو يتم ترميمه أو تعديله، دون مشاركة المجتمع ككل، لن يغير شيئاً في ماهية الإدارة ولا في تحسينها أو تطويرها، وليس من منفعة إن وُضِعَ زيدٌ مكانَ عبيد، أو بالعكس.
وتبقى التساؤلات الطبيعية، التي تخطر بالبال، ما يلي: هناك رغبة عامة لدى الجميع في حصول اتفاق بين الطرفين، لكن ما الذي سيتغيّر؟ وكيف؟ وهل نملك آليات التغيير الفعلي لتطوير ما بين أيدينا؟ وهل سيُسمَحُ للناس باختيار ممثليهم بحرّية، ضمن آليات ديمقراطية وتوعوية؟ وعلى من يقع هذا العبء؟
وسواء لو تم تشكيل إدارة جديدة أو ترميم الإدارة الحالية، سيكون من الواجب الدفعُ باتجاه التصويت وصناديق الاقتراع، واختيارُ الأجدر بين المترشِّحين، والذي يترتب عليه منحُ الناخبين الحريةَ في اختيار من ممثِّليهم في الإدارة والمجالس التشريعية والتنفيذية والقضائية، بعد صياغة عقد اجتماعي جديد، ويُستفتى عليه شعبياً.
أما القوى الناعمة في مجتمع شرقي الفرات، من مؤسسات ومنظمات مدنية، ووسائل إعلام خاصة، واتحادات مثقفين، واتحادات نسائية.. فعلى عاتقها تقع عملية الدفع ذاك - منذ اللحظة - باتجاه ترسيخ الوعي المجتمعي إزاء التطورات الحاصلة، وتفعيلِ دورها في الضغط على السلطة المتشكّلة، بالوسائل المتاحة لها، في كافة المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ ومن ضمنها التوزيع العادل للثروات، والإعلان عن الموازنة العامة، وإرساء مفاهيم الممارسة الفعلية للديمقراطية، وزيادة التوعية حول ضرورة التمثيل الحقيقي والمشاركة المجتمعية الفاعلة ضمن إطار المصلحة العامة والفردية، على حدّ السواء، دون تغليب العامّ على الفرديّ في كافة النواحي.
ولا بدّ من القول هنا، أنّ الحسّ القومي والجمعي لدى الكرد في سوريا، دائماً ما يقودهم إلى بديهيات التكاتف وتوحيد الصف والخطاب الكرديين، دون الخوض في التفاصيل الحقيقية والواقعية لما قد تخلّفه أيّ خطوة تشاركية بين الأطراف الكردية المتخاصمة طيلة سنوات الأزمة في سوريا، أو حتى دون التمعّن في الأسباب الواقعية لهذه الخصومة، على ضرورتها؛ إذ إن معرفة الأسباب والجرأة في معالجتها، تفضي دون شك إلى حلول دائمة ومستدامة، أما الترقيعُ والقفزُ فوق المشاكل فلن يفضي إلا إلى وضع أحجار مكسورة في زوايا لا تتسع لها.
لا أعتقد أن هناك كُرديّاً واحداً إلا ويتمنى توحيد الصف الكردي، وتشكيل جبهة واحدة ضد كلّ ما يُحاك ويحيق بالقضية الكردية في سوريا، ولكن المرحلة الراهنة تحتاج إلى بناء فعلي، وتحديد ما تسميه، عادةً، منظماتُ المجتمع المدني "شجرةَ المشاكل"، والبدءِ فعلياً بمشاريع تفضي إلى نتائج مدروسة بشكلٍ دقيق.