

تطلعات ومخاوف الدروز في الدستور القادم لسوريا
2020-01-14
فرح مرشد:
في ظل استعداد مجموعة من السوريون "أعضاء اللجنة الدستورية" لإطلاق مسوّدة دستور بلادهم الجديد، سيواجه السوريون بشكل عام حزمةً من العقبات الناجمة عن عدة أسباب، أوّلُها انعدام التجربة والخبرة؛ حيث لم يحصل أن أسهم السوريون في صناعة دستورهم، أو تعديله، باستثناء دستور العام 1950، بل كانت الدساتير وتعديلاتها مفروضةً دائماً عليهم، سواء من قبل السلطات الاستعمارية قبل العام 1946 أو من قِبل السلطات اللاحقة. وثانيها ما خلفته أنظمة الاستبداد من مشاكل في بنية المجتمع، ومن شروخ عميقة بين فئاته. وثالثها ما تركته الحرب الكارثية، بنكهتها الطائفية، من آثار خطرة على حياتهم وعلاقاتهم وطرائق تفكيرهم. هذه الأسباب الثلاثة مجتمعةً أدت إلى نقص خطير في الثقة بين الفئات، وارتفاع درجة الحقد والكراهية بينها إلى مستويات غير مسبوقة، الأمر الذي سينعكس حتماً على صناعة تلك الوثيقة المهمة، التي ستضع الإطار القانوني والسياسي لحكم البلد، وتُحدد مساراته.
فتح الدستور السوري السابق مجالاً واسعاً للمحاكم المذهبية، التي تعنى بشؤون الطوائف وتحفظ خصوصيتها، وبالتالي فإن أي دستور يهدد وجود المحاكم المذهبية هو ما قد يثير حفيظة أبناء الطوائف جميعاً، وبالأخص الدروز وتحديداً ما يتعلق بقضية الزواج لديهم، ولعل علاقة الدين بالدستور، ونوعَ الأحكام الدينية التي سيتم إدراجها ضمن بنود الدستور، وطريقةَ صوغ هذه الأحكام، هي ما سيشكل نقطةَ الخلاف الجوهرية والأكثرَ صعوبةً واستعصاءً، فهي مواد خلافية أساساً، وعادة ما تنال حصة الأسد من الوقت والخلاف والنقاش. وتزداد حدة هذه الخلافات في البلدان ذات التنوع الديني والمذهبي كسوريا ولبنان، والتي تضم في الوقت نفسه قوىً وجماعاتٍ علمانية كثيرة، ترغب في إبعاد المقَدّس عن الدستور والشأن العام، ومن هنا فإن مخاوف طائفة الدروز حيال الدستور تتلاقى، في النقاش، مع مخاوف أصحاب الأديان الأخرى جميعهم من الدساتير المدنية. ولكن يبقى الإشكال والخوف الكبيران لدى الدروز متمحوراً حول بنية الحكم والموقف من مركزية الدولة، حيث احتمال إقرار اللامركزية في الدستور السوري الجديد، برغم البرهنة على صوابه في الأنظمة العالمية، إلا أنه قد يصطدم بالطبيعة المجتمعية الدرزية، فالعصبية العشائرية طاغية بشكل كبير في مراحل السلم، وهي التي ستذهب بالحكم إلى المحاصصة العشائرية؛ ما سيؤدي إلى تهميش الأخصائيين الأكفاء من العشائر ذات العدد القليل، حيث إن مجموعة القادة المحليين، وخصوصاً أولئك المنبعثين من أساس عشائري قوي، يرصدون بعضهم البعض؛ من سيحكم الجبل (الأطرش أمير الجبل، أم عامر الحاكم النافذ لعدد كبير من القرى، أم الحلبي ابن العشيرة الأكثر عدداً، أم الهنيدي صاحب الدار السياسية، أم الهجري صاحب الإرث الديني؟). أما إذا افترضنا اتفاقهم فهذا ما يقلق أبناء الطائفة، أي أننا حينها ذاهبون إلى مقاطعة تشبه الدولة اللبنانية من حيث فكر المحاصصة.
وهنا يمكننا القول ومن حيث المبدأ أن الدستور العلماني هو الحل، الدستور الذي يفصل النص المقدس عن الحكم والتشريع، ويتبنى مبادئ الدولة الوطنية الحديثة وفق التعددية والتنوع الديني والقومي والثقافي، وبالتالي فإن إبعاد النص الديني عن الدستور، وبناء قواعد دستورية سليمة تضمن حقوق الأفراد وحرياتهم الشخصية، هو الضمانُ الأساسُ لكل مواطن، ولا يجوز التفريط فيه، لعلنا بذلك ننجح في بناء دولتنا الجديدة.