

أمريكا وروسيا والدستور السوري
2020-01-20
أحمد حمو
مكّنَ الأتراكُ والإيرانيون وحليفُهم المؤقتُ روسيا، من إجهاض ثورة المطالبين بالخبز والحرية، وتحويلها سياسياً وعسكرياً إلى حركة مناهضة لكل القيم الإنسانية.
وأصبح شيئاً فشيئاً يتحول الممثلون الشرعيون للسوريين إلى أدوات قذرة في يد القوى الأجنبية. وبدأ الدور الروسي بالبروز بشكل قوي منذ عام 2015 على الساحة السورية، بمباركة إيرانيةٍ صريحةٍ، وتركيةٍ خفيّةٍ في البداية، حتى ظهور "أستانا" كمظلة مؤقتة تحالفية واحدة ظاهرياً، وعدائية داخلياً بين الأطراف الثلاثة؛ فالتاريخ السياسي للحلفاء الأعداء لا يسمح لهم بالسير معاً إلا خطوات قليلة في سوريا، وها هو الصراع بدأ يظهر جلياً بين الأطراف الثلاثة على الأرض السورية. وقدوم الرئيس ترامب عجّل (على العكس من أوباما) من التفاهم مع الروس؛ باتجاه الحل السياسي في سوريا.
وما وجودُ الدبابة الأمريكية والروسية في القرية الكردية الواحدة في روجافا (وهو ما حصل في برلين عام 1945 بعد اتفاقية پوتسدام بين حلفاء الحرب الثانية) إلا دليلاً قاطعاً للتفاهم الروسي - الأمريكي على الحل السياسي السوري، بما فيه وضع الكرد في الشمال. هذا التفاهم أفرز الخطوة الأولى الشكلية؛ بتشكيل اللجنة الدستورية من السوريين، الذين لن يتفاهموا على بند واحد في الدستور ما دامت إيران وتركيا موجودتين على الساحة السورية عسكرياً وسياسياً، وهو ما يعمل عليه الأمريكان والروس والإسرائيليون معاً، لإنهاء وجودهما في سوريا، بدايةً بالفرس ثم الأتراكِ الموجودين حالياً في المنطقة بإرادة روسية – أمريكية؛ ضمن مخطط الضغط على "قسد" لفصم العلاقة مع قنديل (ويحاول أردوغان استغلال ذلك لتقوية نفوذه داخلياً من خلال الاحتلال الخارجي وإبعاد "قسد" عن قنديل). وبذلك أصبح من أولويات الحل، بالنسبة للروس والأمريكان، إيجادُ مشروع دستور سوري (من إخراجهما) ما دام السوريون غير قادرين على ذلك.
والمسوَّدةُ الروسية للدستور السوري جاهزة منذ عامين أو أكثر، وهي قيد التداول حالياً بين القوتين العظميين وآخرين، لترى النور بعد تحقيق التقدم على الأرض بخصوص الفرس والترك. فالمشروع الروسي للدستور، بحسب التسريبات، كان مقبولاً بشكل عام، وخاصةً في البنود الأساسية، والمساهمة الأمريكية في مناقشته، برأيي، سيدفع بالمشروع نحو الأحسن.
المهم في سوريا، اليوم، هو الوصول الى سلام دائم؛ لا دماء ولا دمار ولا هجرة في ربوعها. والإرادة الدولية (أمريكا، روسيا، أوروبا - الخليج) أصبحت أمراً واقعاً لا حلّ من دونها في بلدنا.
الجديد في الموقف الروسي هو بروز تأييد حقوق الكرد السوريين في مشروعهم للدستور، بتبنّي الفيدرالية كنظام سياسي مقبول لسوريا، وتم التراجع لاحقاً بضغوطات تركية - فارسية – عربية؛ أعني أنّ الفيدرالية ليست إلا خطوة تكتيكية، لكنهم مستمرون في التأكيد، حتى اليوم، على ضرورة تضمين الدستور السوري المُقبل الحقوقَ المشروعةَ للكرد في سوريا، وأنّ لا حلّ في سوريا من دون مشاركة الكرد فيه بشكل فعال؛ وهو موقف روسي مبدئي لا آنيّ على ما يبدو. فالروس، كما الآخرين، يودون الاستفادة من الورقة الكردية في الشرق، والتي أصبحت ضاغطة على الجميع في الوقت الراهن، وتزداد أهمية في خضم صراعات الشرق الحالية.