

المرأة "ذات الاحتياجات المحددة" وحق العمل
2020-01-26
عامر فرسو
لعل المرأة، في العقد الحالي، ولاسيما في ظل الإدارة الذاتية المعلنة سنة 2014 في شمال شرق سوريا، قد حققت نجاحات كبيرة ومهمة، على صعيد نيلها حقوقها في العمل، والمشاركة في صنع القرار السياسي، إلى جانب المساهمة الفعالة في أغلب مجالات الحياة الاجتماعية المدنية، وكذلك بدرجة كبيرة في المجال العسكري، من خلال مفهوم الدفاع المشروع ومؤسسة قوى الأمن الداخلي. ولكن، هل جميع النساء نالت تلك الحقوق؟ فمن المؤكد أن المرأة الأمية والكبيرة بالعمر وذات الاحتياجات المحددة لم تنلْ حقوقها، لاسيما في الحروب و الصراعات، إذ تتعرض لأقصى درجات الاضطهاد والإقصاء والتهميش، فبسبب وجود خلل في وظائف الجسد وبنيته لا يمكن لذوات الاحتياجات المحددة (الخاصة) القيام، أو المشاركة، بجميع الأعمال كغيرهن، لذلك يكاد يكون دخلهن المادي معدوماً، لعدم توفر فرص عمل تتناسب وقدراتهن؛ مما يتسبب بارتفاع نسب الفقر والبطالة بينهن، وبالتالي ينعكس هذا على درجة قبولهن، ضمن أسَرهن، كحلقة انتماء أو كحلقة وجود أولى، ناهيك عن صعوبة اندماج هذه المرأة في حلقة المجتمع الأوسع، حيث تقابل بالرفض وعدم التعاون، مما يشعرها بالإهانة التي تزيد من عزلتها وابتعادها عن المجتمع.
فما السبيل إلى التخفيف من معاناة هذه الفئة من النساء في المجتمع، لضمان حقها بحياة كريمة، ومنحها فرص العمل التي تتناسب وأحوالها الخاصة، وكذلك لنتفادى الآثار السلبية التي تنعكس على المجتمع من جرّاء تهميشها، ثم على عاتق أي الجهات تقع تلك المسؤولية؟
بالرغم من حالة الصراع الدائر في المنطقة، إلا أن الإدارة الذاتية تمكنت من بناء مؤسسات وهيئات تتناسب في خصائصها مع الحالة الطارئة، أو مع سمة الأمر الواقع، لكنها لم تعالج القضايا المتعلقة ببعض الفئات التي هي في أمسّ الحاجة إلى الرعاية والاهتمام، فاعتمدت بشكل لافت على منظمات المجتمع المدني، التي بدورها لم تخصص سوى بعض مشاريع تمكينية خاصة بتلك الفئة... لأن معظم منظمات المجتمع المدني، العاملة في مجال دعم ورعاية المرأة، اتجهت إلى دعم الأسر المعيشية التي ترأسها النساء السليمات، لإعادة بدء أنشطتها المدرّة للدخل، وذلك من خلال تمكينهنّ معرفيّاً عبر ورشات تدريبية، لزيادة قدرتهم في الوصول إلى الموارد الاقتصادية وإقامة مشاريع نسائية من خلال برامج سبل العيش، وكذلك ساهمت تلك المنظمات ولكن بدرجة أقل في إمكانية وصولهن إلى سلطة اتخاذ القرار لصالحهن وصالح أسرهن.
فمن خلال ما سبق، يمكن القول إن توجهات الإدارة الذاتية، وفعاليات منظمات المجتمع المدني، في التعاطي مع حق المرأة في العمل، لم تختلف عن بعضها كثيراً من حيث عدم إعطاء "النساء ذوات الاحتياجات الخاصة " تلك المساحة والأهمية في أجنداتهم وخططهم في تخفيف معاناتهن، فقد اقتصر دور الإدارة الذاتية على تقديم بعض الدعم والرعاية لهن، من خلال هيئة العمل والشؤون الاجتماعية، لكنها لم ترتق إلى وضع آلية مناسبة تؤمّن لهن فرص العمل، مثلاً، من خلال إيجاد صندوق دعم اقتصادي خاص بتلك الفئة من النساء، ومنحِهن القروض المالية لأجل مشاريع صغيرة ذات استدامة، تؤمّن لهن دخلاً مادياً وتحفظ كرامتهن وتخفف العبء عن أسرهن، وتدمجهن بذلك في المجتمع...
وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن منظمات المجتمع المدني سعت إلى إيجاد حلول مماثلة، كمشاريع سبل العيش الخاصة بتلك الفئة النسائية من ذوات الاحتياجات الخاصة، ولكن بنسب لا تكاد تذكر، ولا بأثر مجتمعي واضح، بغض النظر إن وجدت بعض قصص النجاح والتي لم تغير من واقع الحال.
إذاً، متى ستتجه الإدارة الذاتية إلى سَنّ جملة قوانين خاصة بذوات الاحتياجات المحددة، في كافة المجالات، وخاصة في ما يساعدهن على سهولة التنقل، من خلال تعديل الأبنية القديمة، وإلزام المنشآت والأبنية الحديثة بمراعاة احتياجات هذه الفئة في التنقل، وتحديد نسب وجودهن في الوظائف العامة، وبما يتناسب مع قدراتهن، بالإضافة إلى إيجاد صندوق دعم اقتصادي خاص بهن، ومنح التسهيلات اللازمة لعمل منظمات المجتمع المدني في وضع خطط وبرامج لأجل رعاية هذه الفئة والتخفيف من معاناتها وحفظ حقها في العيش الكريم؟.