فايروس " كورونا " ونظرية المؤامرة؟

2020-03-23
الكاتب: إدريس خلو 

تجد نظرية المؤامرة الأرض الخصبة للانتشار والازدهار عندما تعجز الأفراد والحكومات والمؤسسات البحثية ذات الشأن عن تقديم الأدلة المنطقية والعلمية الدامغة لتفسير حدث ما وفق المنهج العلمي ، لينتصر حينها التحليل الشعبي والمقترن بالمعتقدات اللاهوتية على حساب التحليل العلمي المؤسسي وبذلك يخرج تفسير الفعل من دائرة المنهج العلمي إلى دائرة نظرية المؤامرة والعقاب الإلهي، وعموماً تعد نظرية المؤامرة اقرب إلى الخرافة من ناحية المنهج العلمي لأنها لا تستند إلى أدلة مادية بل تستند إلى تفسير الحدث وفق قاعدة(الحدث بحكم الخبرة) وقاعدة (من المستفيد من الحدث؟ ).
وفي ظل الجهود المكثفة للحكومات ومراكز الأبحاث في مواجهة فايروس كورونا الخبيث، والذي حصد إلى الآن حياة (16،322) آلف شخص، ليقف العالم مدهوشاً في حالة اللايقين والخوف، لتدفع الدول التي حلت فيها الفايروس أثمان باهظة في اقتصاداتها وتعيش أزمات سياسية واجتماعية فملايين البشر يعيشون في بيوتهم وبلداتهم وثمة عشرات الألوف محتجزين في المستشفيات ولولا وسائط التواصل الاجتماعي لتقطعت السبل بملايين البشر.
سياسياً، أنعش الفايروس الذكي والخبيث نظرية المؤامرة من جديد ولأن نظرية المؤامرة تخدم المجموعات السياسية بحسب الأكاديمي فرانك. ب. ميتنز ، فخرجت العديد من المنابر الإعلامية والحكومية تحديدا باعتقاد  يقول أن الفايروس حرب جرثومية شنتها الولايات المتحدة على الصين في سياق حربها التجارية وفي سياق حربها وعدائها المستحكم ضد إيران ، لكن انتقال الفايروس  الى الولايات المتحدة الامريكية وجمهوريات الاتحاد الأوربي خفف من غلو أصحاب نظرية المؤامرة والتي ما زالت تفعل فعلها وتجد من يؤيدها ، فالتاريخ الطويل لأمراض نظريات المؤامرة لم يتوقف منذ القرن ال 14 عندما اجتاح الطاعون القارة الاوربية وحينها لم يكن احد يعرف أصل المرض وبسرعة ظهرت شائعات مفادها بأن اليهود قاموا بتسميم الآبار بمخطط شيطاني للسيطرة على العالم وتم شحن  هذه الشائعة سياسياً ودينياً ليتفجر على شكل اضطهاد وتهجير، وكذلك لم يختلف الأمر كثيراً عندما حصدت الأنفلونزا الاسبانية أرواح 25 – 50 مليون شخص وقد تم ربطه من قبل انصار نظرية المؤامرة بانه ( سم الماني ) طوره الجيش الألماني بشكل اصطناعي كسلاح بيولوجي ، وقد استفحل داء الشائعة وتفشى فكرة نظرية المؤامرة وواصل إلى الذروة خلال حقبة الحرب الباردة ففي عام 1983 روج جهاز المخابرات السوفياتي ( كي جي بي ) عالمياً الشائعة التي تفيد بأن الولايات المتحدة الامريكية طورت الإيدز كسلاح بيولوجي وجربته على السجناء وأبناء الأقليات  ولم تتخلص المؤسسة الرسمية الروسية من فكرة نظرية المؤامرة حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في منتصف التسعينات فقد روجت جمهورية روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي بأن الولايات المتحدة لها اليد الطولي في تفشي مرض ( أيبولا ) وهو اختبار بيولوجي حسب الزعم الروسي قامت به مؤسساتها البحثية في دول القارة الافريقية .
بالعودة إلى فيروس كورونا الذي انتشر في جميع دول العالم تقريباً، فإن هذا المرض قد وضع الإنسان الكوني بين عالمين : عالم الخرافة ونظرية المؤامرة ففي ظل العجز التام عن اكتشاف الأسباب الحقيقة لهذا الوباء ولجوئه إلى ربط المرض بخرافات ونبوءات لاهوتية ووقوف دول بعينها خلف هذا الوباء ، وعالم الواقع الذي كشفت ضعف الإمكانات في مواجهة هذه الجائحة وكمخرج أخير للخروج من حالة الضغط العنيف الذي يعيشه الانسان والحكومات كانت السبيل الوحيد هو إحياء قيم التعاون والتآزر كأفضل الحلول الممكنة للتصدي في ظل الإمكانيات المادية الضعيفة التي لا تستطيع العديد من الدول من خلالها للتصدي لهذا المرض إضافة إلى البنية التحتية الصحية الهشة وضعف الإمكانيات داخل المؤسسات الصحية في العديد من الدول ليبقى الحل الأنجح هو تكاتف منظمات المجتمع المدني والهيئات الشعبية والكتل السياسية لتتوحد مع حكوماتها للمواجهة وهو أقل ما يمكن القيام به لمواجهة هذا الغول الذي يهدد سكان العالم برمته كبديل للوقوف في وجه الخرافة والتسويق لنظريات المؤامرة في أصل المرض إلى حين تصاعد الدخان الأبيض من المراكز البحثية العلمية لاكتشاف العقار الذي سينهي على هذه الآفة العالمية .