

أردوغان وحلم إعادة تركة الرّجل المريض
2020-03-28
الكاتب: جمعة خزيم
يبدو أنَّ الحلم الأردوغاني، بإعادة تركة الرّجل المريض الذي طالما حلم به، باءَ بالفشلِ لأسبابٍ عديدةٍ منها: رهاناتهُ الكثيرة، ودخوله صراعاتٍ عديدة في المنطقة، إلى جانب العدد الأكبر للمناوئين له، أمام القلّة من الموالين، والتّخبط الداخلي، وطيشه وغروره.
كان لأردوغان حلم أمَلَ أنْ يُجسّده عندما اندلع الرّبيع العربي، قبل قرابة عقد من الزمان. رأّى في نفسهِ الحاكم، وربّما السلطان للشرق الأوسط كله، متأمّلاً ومستقوياً بالدّعم من الحركات الإسلامية. ولعلَّ السّبب الوحيد الذي يجمع كل الباحثين والمراقبين للشأن التركي، وراء ذلك التّحول المُثير والغريب في السياسة التركية، هو «جنون العظمة» الذي أصاب أردوغان، وجعله يسعى من أجل بناء إمبراطورتيه العثمانية الجديدة، حتى ولو كان ذلك على أنقاض المنطقة كلها، ولو أسال دماء شعوبها، المهمّ أنْ يتحقّق حلمه الزّائف بأيِّ ثمن.
هذا الحلم الغارق في الرغبوية، هو سبب كل العداوات والمشاكل التي جناها أردوغان، وخلقتْ له هذا القدر الكبير من المناوئين، ولا يبدو أنّه سيفيقُ إلا عندما يرى نفسه خارج السلطة في الانتخابات القادمة 2023، ما لم تتطور أوضاع العالم في ظلّ تطورات غير متوقّعة. وعلى الرّغم أنه حمل هذا الحلم إلى قمة حلف الناتو في لندن مؤخراً، بغية أنْ يتحالف فيها مع الخصوم ويحارب الحلفاء، من أجل هدفٍ واحدٍ هو التّمدّد خارج حدودِ دولته دون وجهِ حق، ودون خوفٍ من أيّة عواقب قد تطاله من دولٍ أخرى.
النظام التركي المُتورّط في سويا، منذ بداية الأحداث عام 2011، بحجّة دعم كفاح الشّعب السّوري، جعل حدودهُ ممرّاً لدخول وخروج الإرهابيين من كل دول العالم، ظنّاً منه أنّه يستطيعُ التلاعب بالتّحالفات المتناقضة، مرةً مع أمريكا وأخرى مع روسيا. وتصوّر أنّه يخدع روسيا بطلب تدخل الولايات المتحدة، ويحصل على منظومة دفاعٍ جوّي روسيّة، فقد وجه تهديدات إلى روسيا بعد دخول الجيش السوري إلى إدلب، وهو يعلم أنَّ روسيا طرفٌ فاعلٌ في المواجهة مع تنظيمات أردوغان هناك.
الثعلبُ التركي والفخُّ الرّوسي
بالرّغم من أنّ الرئيس التركي رجب أردوغان يرى تداعيات سياساته في سوريا، وغيرها من البلدان التي يتدخل في شأنها، يُصرّ على السير نحو فخاخٍ ينصبها لنفسه. وتنصبها له روسيا، التي هددها بعدم التدخل في إدلب، لكن يبدو أنّ معركة إدلب، واحدة من معارك النّهايات للعثمانيّ.
إنّ جنون أردوغان، وتهوّره أكثر ممّا تهوّر، يجلبُ المزيد من الخسائر المادية والبشرية، ويدفع الأوضاع إلى مزيد من التدهور الذي لن تعاني منه تركيا وحدها، وإنّما ربّما تتوسّع النيران لتحرق الكثير من أيادي اللاعبين بنار الحرب على سورية. في حين أنَّ القوات السّورية مُصرّة على تحرير أراضيها المُحتلّة، سواءٌ من تركيا، أو التنظيمات الإرهابيّة المدعومة منها.
القرابين التركية في إدلب ترفعُ صوتَ المعارضة
المعارضة داخل تركيا أصبحت تتزايد، بعد انتشار أخبار عن الضّربات التي تتلقاها القواتُ التركية، وحلفائها التي دفع بها أردوغان لإنقاذ ما تبقى من هيبته في سوريا. فلم يعد يحظى بثقة أمريكا ولا روسيا ولا أوروبا، ولم يتبق له سوى بعض الدول التي تموّل مغامراته، الأمر الذي يجعل أردوغان في فخّ تضيق حلقاته، وينعكس على الاقتصاد والسياسة داخليا وخارجياً.
يبدو أنَّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، متورّطٌ في الأحداث الجارية في إدلب، خصوصاً عندما كشف عن عدم قدرته، أو رغبته، على الوفاء بالتزاماته المقررة في كل من "أستانا" و" سوتشي"، بما فيها الاتفاق الذي تمَّ التوصل إليه، في 17 سبتمبر/أيلول 2018، مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والذي يقضي بفصل التنظيمات الإرهابية عما يسمى بـ "المعارضة".
إنّ عجز الرئيس التركي عن الوفاء بالتزاماته تجاه روسيا وحلفائها، يرجع إلى حدٍ ما، لعضويته في المعسكر الأطلسي، إذ أنّه لم يكشف أبداً عن رغبته بمغادرة هذا التجمع؛ بل على العكس من ذلك، بقي مقيداً بحلف الناتو، وبالتالي بالولايات المتحدة، التي طلب دعمها لوجستيا على الأقل .ويبدو أن البنتاغون بدأ يترجم هذا الخيار، عبر الإشادة بدور نظام أردوغان، لما أسماه (التصدي) لروسيا، وإغرائه بعلاقات مميّزة، بحال تنسيق التعاون ضدها، سواء على المستوى الثنائي أم ضمن إطار الناتو، على حد قول الجنرال تود وولترز، قائد قيادة القوات الأميركية في أوروبا. مما يؤكد أنّ الولايات المتحدة تملك دائماً خيارات بديلة، لتعويم حالة الفوضى الهدامة، بما يلبي مصالحها الاستعمارية في العالم. وفي سورية تجرّبُ الكثير من الخيارات، لأنها ترى بإضعاف سورية وإبقائها في دوامة الحرب، البوّابة الرئيسية لتمرير مشاريعها في المنطقة.
السلطان ومتاهة إدلب
كشفتْ حرب إدلب ما كان يستشعر به الجميعُ منذ زمنٍ طويل؛ الهوّة الواسعة، والمستحيل ردمها، بين موسكو وأنقرة حول سورية، ردمتْ لأن الاتفاقات التي حصلتْ في سوتشي، لم تحترمها تركيا مطلقاً، ولم تكن سوى وسيلة لكسب الوقت وإنقاذ ما يمكنها من إرهابيين ضد حلفاء موسكو.فالطيران الروسي عاقب (المتطرفين) والنتيجة كانت موت العديد من إرهابيي وجنود (السلطان)، رغم كل الدعم العسكري لحماية الإرهابيين في إدلب، وبعد مفاجآتها أمام رد الفعل السوري والعناد الروسي، عادت تركيا إلى ما تجيد فعله، ألا وهو طلب الحماية من بلاد العم سام، فالسذج الذين يظنون أنّ أردوغان يمكن أنْ ينتقل من دائرة الناتو، يضيعون وقتهم؛ أنقرة الآن تطلب صواريخ باتريوت من الولايات المتحدة لإبعاد روسيا من أجواء إدلب، وهذه محاولةٌ أميركية، ودخول على الخط من جانب (الإمبراطورية).
وعلى الرغم أنّ تركيا أعلنتْ رفضها -العام الماضي-لعرضٍ أمريكي، بخصوص شراء منظومة صواريخ "باتريوت" للدفاع الجوي، وذلك في خضم النقاشات المتواصلة بين البلدين، وقامتْ بشراء منظومة صواريخ "إس-400" الروسية، إلا أنها عادت اليوم، لتستنجد أمريكا بشراء منظومة باتريوت الدفاعية الأمريكية على حدودها الجنوبية؛ لمواجهة أي هجمات مستقبلية من القوات السورية، المدعومة من روسيا.
يأتي الطلب التركي، في الوقت الذي تستعر فيه الأحداث بالأراضي السورية بين المعارضة المدعومة من الجانب التركي، والقوات السورية المدعومة روسيّاً من ناحية أخرى، والتي بدأت بخلافاتها حول شكل التدخل في إدلب. وهي عازمة على التصدي للقوات السورية، حتى لو كان على حساب توتر العلاقات مع روسيا في السياحة والتجارة.
ويبدو أنّ المواجهة بين الطرفين، تهدّد بإحداث صدعٍ في العلاقة بينهما، ودفع تركيا لإصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة، بعد سنواتٍ من التوتر، وبعد أن دفعتْ الخسائر الثقيلة التي لحقت بالجيش التركي مؤخراً في معركة إدلب، ومقتل عشرات الجنود الأتراك في غاراتٍ نفذها الجيش السوري.