

قانون قيصر وتداعياته على سوريا وشعبها
2020-06-23
الكاتب: عدنان حسن
في السابع عشر من يونيو الجاري دخل قانون قيصر ، حيّز التنفيذ، والذي وقّع عليه الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترمب، العام الماضي. ويهدف قانون العقوبات الأمريكيّ إلى زيادة العقوبات الاقتصاديّة والضغط على النظام السوريّ للحد من هجماته العسكريّة، ورضوخه لعملية الانتقال السياسيّ.
وحملَ القانون اسم "قيصر" وهو اسم مستعار لمصوّرٍ لدى وزارة الداخليّة السوريّة، تعاون مع صديق له ووثّق (55) ألف صورة لانتهاكات النظام السوري وتعذيبه للمعتقلين، في عددٍ من الأفرع الأمنيّة. ويفرض القانون عقوباتٍ صارمة على الرئيس السوريّ، بشار الأسد، وأفراد من عائلته ومسؤولين عسكريين وسياسيين في الحكومة السوريّة، والمتعاونين معه من الأجانبِ غير السوريين، ويستهدف كذلك المصانع العسكريّة والبنى التحتيّة وحتّى المصرف المركزي السوريّ، إلى جانب احتماليّة معاقبة روسيا وإيران اقتصاديّاً في حال استمروا في تقديم الدعم للنظام السوريّ.
زِد على ذلك، فإنّ قانون قيصر سيؤثّر على الحلفاء الرئيسيين للنظام السوريّ، وعلى وجهِ الخصوص روسيا، الّتي عملت في الفترة الماضية على خلق حشدٍ دولي لدعم موقفها في مواجهة هذه العقوبات، ولم تنجح في ذلك حتّى الآن، ولا تبدو المشكلة بالنسبة لروسيا في القانون نفسه؛ حيث أنّه يَفرض عقوبات على النظام السوريّ ومسؤوليه، الذين يتعرّضون لعقوبات مستمرّة منذ بداية الاحتجاجات في البلاد، بل في أنّ القانون ينصّ على معاقبة من يدعم النظام السوريّ والمتعاونين معه، وهو ما يضع روسيا على قائمة العقوبات، أغلبَ الظنّ، ويُمكن أن يؤثّر ذلك على الاقتصاد الروسيّ وعلى شكل العلاقة بين النظام السوريّ وروسيا.
والحالّ أنّ صدمات الأسعار الدوليّة، وتقلّبات سعر الصرف والإفراط في العرض النقدي وزيادة الأعباء الضريبيّة و الرسوم الجمركيّة وإغلاق أغلب المنافذ البريّة، من أهم العوامل الّتي تقود ديناميكيات التضخّم.
ولعلّ المسؤولين لم يأخذوا في الحسبان آثار التضخّم نتيجة فقدان العملة وظيفتها كمخزّنٍ للقيمة والقوة الشرائيّة؛ فكلّما زادَ معدل الانفاق والاستثمار بسبب التضخّم يزيد معدل التضخّم ويتحوّل إلى تضخّم مفرط، وبالتالي، فإنّ الاقتصاد يوضع في حلقةٍ مفرغة، وكلما كان الأشخاص والشركات أسرع في إنفاق الأموال قبل أن تفقد قيمتها زاد معدّل التضخّم بصورةٍ أسرع، وبالتالي، في هذه الحالة، تتجاوز السيولة النقديّة في حجمها السلعَ المفروضة للبيع، وتنخفض قيمة الأموال بمعدلٍ أسرع.
في طبيعة الحال، عندما تزداد الأمور سوءاً يميل الأشخاص إلى تخزين المزيد من السلع في بيوتهم، بدلاً من الاحتفاظ بأموال تقل قيمتها يوماً بعد يوم، مما يجعل المتاجر فارغة من المخزون، وعندما ترتفع معدلات التضخّم إلى الحدّ الذي يدخل الاقتصاد من التضخّم التراكمي، يُصبح هناك ركود اقتصاديّ، يؤدي ذلك إلى تباطؤ النمو وارتفاع معدلات البطالة بشكلٍ مطرد.
إلى ذلك، فإنّ عدم توفّر بدائل وطنيّة في تأمين الموارد الماليّة، لرفد خزينة الإدارةِ الذاتيّة في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة الّتي سيخلّفها قانون قيصر، فإنّ ذلك سيؤديّ إلى العجز شبه التام عن تأمين النقد الأجنبي المطلوب لعمليات التجارة الخارجيّة الضروريّة لتأمين الحياة المعيشيّة لمواطنيها، أي التوازن بين الكتلة النقدية للعملة السوريّة المتداولة والقطع الأجنبي المتوفر في الأسواق.
ورغمَ أنّ الإدارةُ الذاتيّة عمِلت على رفع أجور الموظّفين لديها بنسبة (150)% ، كإجراء أوّلي لمواجهةِ الأزمة الاقتصاديّة الراهنة، ولإيجاد نوع من التحسّن في الحالة المعيشيّة نتيجة تدهور الليرة السوريّة أمام الدولار؛ إلّا أنّه بالمقارنة مع ارتفاع سعر صرف الدولار، فإنّ رواتب الموظّفين لم تصل إلى أدنى مستوى جيّد، فكان من الأفضل، أن تقوم الإدارة الذاتيّة بتحديد الرواتب والأجور على أساس الدولار ، وليس على أساس الليرة السوريّة الّتي تستمرُ في الهبوط.
فـ الانهيار المؤكد والمُرتقَب لليرة السوريّة أمام العملات الأجنبيّة خلال الفترة القادمة والذي من المتوقّع أن يتخطّى حاجز الخمسة آلاف ليرة سوريّة أمام الدولار الأمريكيّ الواحد، في منتصف شهر آب القادم، سيجعل من عملية زيادة الرواتب والأجور اعتماداً على الليرة السوريّة وليس على أساس الدولار "محاولة بائسة لذرِ الرمادِ في العيون" وستؤدي هذه الخطوة إلى قفزة جديدة وجنونيّة في أسعار السلع والمواد وأجار السكن، الأمر الذي يُنذِر بكارثة إنسانية على كافة الأصعدة، المعيشيّة منها والاجتماعية.
ختاماً؛ يرى اقتصاديون أنّ هناك خياراتٍ عدّة يُمكن أن تُجنّب الإدارةُ الذاتيّة تداعيات قانون قيصر، تلك الخيارات الّتي تعمل على تعويم الدولار واعتماده أساساً للتعاملات، وهذا الخيار ربما من أكثر الخيارات الاستراتيجيّة ملائمةً لمواجهةِ قانون العقوبات.