

التفاهم الكردي – الكردي في سوريا وأهمية الدور الأمريكي
2020-06-24
الكاتب: مسعود محمد
ما زال مشهدُ الحربِ الأهليّة الكرديّة في كردستان العراق حاضراً في ذهنيّة الكورد ؛ تحاربَ الحزبان الرئيسان في الإقليم الكرديّ العراقيّ، ودفع الكردُ ثمنهُ باهظاً بوقوع آلآف الضحايا، في حربٍ استمرّت لأكثر من أربع سنوات، والتي لم تضع أوزارها إلّا بعد ضغطٍ أمريكيّ، لتنتهي مأساة دمويّة بين الأطراف المتصارعة، وليوقّع البارزاني والطالباني على اتفاقية واشنطن في العاصمة الامريكيّة بحضور وزيرة الخارجية الأمريكيّة آنداك مادلين أولبرايت.
يقول المَثل الإنكليزي؛ التاريخُ يُعيد نفسهُ، ففي شمال شرق سوريا، توصّلت الأحزاب الكرديّة لتفاهمٍ مبدئي، بمسعى وضغط أمريكي- فرنسي وبحضور ممثِّل الولايات المتحدة الأمريكية لدى التحالف الدوليّ وليام روباك، بعد المبادرة التي أطلقها الجنرال مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، لتوحيد الصف الكردي، عقبَ الغزو التركي للمناطق الكردية ، في محاولةٍ منه درء الخطر التركي في احتلال المزيد من الأراضي.
التفاهم الذي توصّلت إليه أحزابُ الوحدة الوطنية والمجلس الوطني الكردي، برعايةٍ أمريكية، تعود جذورها لاتّفاقات سابقة لم تُتكلّل بالنجاح، في السنوات الماضية، "أربيل" و"دهوك"، في حين اعتمد الطرفان على مخرجات اتفاقية دهوك أساساً لاتفاق مستقبلي بينهما. والتي كانت تنصُّ على تقاسم السلطة بين كلا الطرفين بنسبة 40 % لكل طرف و20 % لباقي الأحزاب الكردية التي لم تنطوي بين المجلسين، إضافة لتنسيق الأمور العسكرية والإدارية فيما بينهم.
تمثّل الرعاية الأمريكية، السمة المشتركة للاتفاقيات بين الأطراف الكردية؛ ففي العراق أدركت أمريكا أن كورد العراق سيشكلون البنية الأساسية للعراق بعد صدام حسين، لذلك أرغمتهم على توقيع الاتفاقية، ووقف الحرب الدموية فيما بينهم، وينطبق على كورد سوريا نفس السيناريو العراقي، إذ يدرك الأمريكان، تماماً، أنَّ نقطة التحول السياسي في المعادلة السورية تبدأ بشمال وشرق سوريا، لذلك يسعون جاهدين إلى توحيد الصفوف الكردية، التي طالما بقيت خلافاتهم سياسية فقط على خلاف كورد العراق، الذين أخذت الحرب منهم الآلاف من الضحايا.
المبعوث الأمريكي الخاص بسوريا جيمس جيفري ضغط على المجلس الوطني الكردي، لإعادة تفعيل دوره في الائتلاف السوري المعارض بعد أن جمّد عضويته إبان الغزو التركي لمدينتي سري كانييه (رأس العين) وتل أبيض، وطالبهم بتقديم تنازلات وتسهيلات لنجاح عملية الحوار الكوردي، وفي المقابل من الطرف الآخر لعب السفير الأمريكي لدى التحالف الدولي لمحاربة داعش، وليام روباك، دوراً مهم في إنجاح التفاهم الأولي، من خلال جولاته المتكررة لشمال وشرق سوريا وعقده لقاءات مع مسؤولين في المجلس الكردي وأحزاب الوحدة الوطنية.
على الرغم من الاتفاق المبدئي بين الطرفين، إلا أنه ثمة صعوبات تتمثّل في الأطراف الإقليمية المنخرطة في الصراع السوري، والتي تتحكّم في الطرفين، فالمجلس الوطني جزءٌ من الائتلاف الوطني السوري المعارض، الذي يتخذ من تركيا مقرّاً له، وكان يبارك احتلال تركيا لمناطق ذات غالبية كردية، رغم تحفظ المجلس الكردي على البيانات الصادرة من الائتلاف المعارض.
فالضغوطات التركية تجلّت بعد أن تم الإعلان عن انتهاء المرحلة الأولى من التفاهم الكردي، مع صدور بيانات من أعضاءٍ في الائتلاف السوري المُعارِض، تندّدُ بهذا الاتفاق وتتّهم الأطرافَ الكردية بتقاسم ثروات سوريا، بالإضافة لضغوطات تركيا على إقليم كردستان العراق، الذي يُعتبَر المؤثر على قرارات المجلس الوطني الكردي، لينسحب من هذا التفاهم.
وفي المقابل يلعبُ الروس دوراً مهمّاً في الضّغط على أحزاب الوحدة الوطنية، المُتمثّلة بالإدارة الذاتية، لعدم التوصل لأيّ اتّفاق مع المجلس الكردي، لأن أي اتفاق سيقوّض التدخل الروسي في شمال شرق سوريا وسيبعدها عن منابع النفط، بالغضافة إلى الثروات الأخرى في الشّمال السوري، فبدون هذه الثروات لا يمكن للروس الاستمرار في المنطقة، وهذا ما تريده أميريكا.
وبحسب التفاهم بين الطرفين فانه يتوجب تشكيل مرجعية سياسية، وإعادة هيكلة تشكيل الإدارة الذاتية من جديد وهذا ما ترفضه أحزاب الوحدة الوطنية، بينما يصرُّ عليه المجلس الوطني، إضافة لعودة البيشمركة التي تحتاج إلى قرار واتفاق، فكما هو معروف أن بيشمركة روج آفا يتبعون حالياً لوزارة البيشمركة في إقليم كردستان العراق ويتقاضون رواتبهم من الخزينة العراقية، وأي عودة لهم يحتاج إلى اتفاق دولي وليس محلي.
كما أنّ التفاهم الكردي الأخير عزز المخاوف لدى المكونات الأخرى في مناطق شمال شرق سوريا، لكن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي بدد هذه المخاوف لدى المكونات الأخرى، حيث قام باستقبالهم قبل أيام، وأكد لهم أن هذا الاتفاق يخص الأطراف الكردية فقط، وأن جميع المكونات الأخرى في شمال وشرق سوريا من عرب وآشور وسريان وأرمن، هم جزء أساسي لأي حل مستقبلي في سوريا، وأنه لا مكان للشمولية، وسوريا ستكون بلد التأخي والسلام.
قد يتساءل البعض عن الغاية الأمريكية من رعاية هذا الاتفاق والضغط على الأطراف الكردية، وخاصة أنهم أداروا ظهورهم للكرد في أول جولة عندما قرروا الانسحاب من شمال شرق سوريا، وبموجب هذا القرار احتلت تركيا بعض المناطق؟. ربما ينحصر الهدف الأمريكي في قطع الطريق على روسيا التي تحاول أن تلاقي موطئ قدم لها في شمال شرق سوريا، وخصوصاً على منابع النفط والغاز، ولتكف عن دعم النظام السوري و تجبره على وقف إطلاق النار والجلوس على طاولة المفاوضات، والالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي رقم 2254 وذات الصلة.
وبحسب بعض المراقبين أن الهدف الأمريكي من توحيد الصف الكردي، مرتبط أيضاً بإجبار الحلف الأطلسي " الناتو" للدخول في الملف السوري بقوة وخاص أن الحليف التركي بدأ يتجه إلى الروس، والوضع التركي الداخلي أصبح قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة، لذلك يريد الامريكان أن يكون الكرد حاضراً قبل الانفجار التركي، وخاصة انهم على دراية في مستقبل كل الدول.