call us now

(+964) 751-4413372

عن الديمقراطيّة التشاركيّة

2020-08-09
نينورتا عزيز عبدو

الديمقراطية فكرة ممتدة في القدم تصل إلى الحضارة اليونانية وهي أحد أشكال الحكم التي تعني بالمفهوم السياسي حكم الشعب نفسه بنفسه وفي المجال التطبيقي نجد أسلوبين لتطبيق الديمقراطية؛
أوّلاً: الديمقراطية المباشرة بأن يكون الشعب هو الحاكم ويباشر جمع السلطات-
ثانياً: الديمقراطية التمثيلية وهي أن يختار المواطنين ممثليهم في المجالس النيابية والمحلية.

ونظراً لأن هذه الفكرة بجميع أساليبها لم تعد كافية لتحقيق العدالة الاجتماعية وفشل النظم النيابية في تأمين المكانة الحقيقية واللائقة للمواطن في الحياة السياسية والإدارية والشأن العام محلياً أو على مستوى برلمانات الدول؛ إذ أن دور الناخب ينتهي بمجرد الإدلاء بصوته. ونتيجة للأزمة التي عانت ولاتزال تعاني منها الديمقراطية التمثيلية أبدع الفكر الإنساني في سيرورة تطوره المستمرة فكرة الديمقراطية التشاركية، والتي توصف بأنها يمكنها التصدي للظواهر والتأثيرات السلبية ومحاولة جادة لإعادة صياغة العمل بمشاركة فاعلة من قبل القوى ذات التأثير في الشأن المحلي.

أول ظهور عملي وتطبيق لفكرة الديمقراطية التشاركية كان في ستينيات القرن الماضي وكان هذا الظهور في الميدان الاقتصادي والتجاري، تبلور من خلال إعطاء العمال والأطر والكوادر في الشركات والقطاعات الإنتاجية عموماً دوراً أساسياً في تسيير عملية الإنتاج وبحث مقومات ومشاركة واجتراح واقتراح الحلول وآليات اتخاذ القرارات ومراقبة تنفيذها وكان الظهور الأول في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أمريكا اللاتينية مثل الأرجنتين والبرازيل وكان ظهورها بأرقى تطبيقاتها في مدينة مونتي اليغرو البرازيلية بعد هذا النجاح الباهر انتقل مفهوم لديمقراطية التشاركية إلى باقي الميادين وخاصة الميدان السياسي وبالأخص على الصعيد المحلي متجلياً بشكل إشراك المواطنين في مناقشة القضايا العامة والتحاور واتخاذ القرارات والحرص على متابعة ومراقبة تنفيذها من قبل المؤسسات صاحبة السلطة المختصة وأبرز الدول العربية التي طبقت هذا المنهج هي تونس بشكل واضح وخاصةً المنظمات النسائية والجزائر وإن بصورة أقل وضوحاً من تونس.

يمكن أن نستخلص من كل ما تقدم تعريفاً للديمقراطية التشاركية، بأنّه نظام يمكن من مشاركة المواطنين في صنع القرارات السياسية ذات الأولويات بالنسبة إليهم عن طريق التفاعل المباشر مع السلطات القائمة ومناقشة وإيجاد الحلول المشكلات القائمة.

فهي على هذا النحو تتبنى مفهوماً يعطي للمواطنين دوراً للمشاركة في صنع القرار السياسي وتدبير الشأن العام ومن خصائصها التفاعل بين المواطنين والحكومات؛ فهي بهذا التوصيف مكملة للديمقراطية التمثيلية وليست بديلاً عنها وقد عبر الفيلسوف جون لوك عن هذا حيث اعتبر أن الديمقراطية التمثيلية محدودة التفاعلية ولا يمكن لأحد إضفاء الشرعية الديمقراطية على سلطة سياسية غير المواطنين أنفسهم ولا يكفي للمواطنين اختيار ممثليهم بل يجب أن تكون لهؤلاء المواطنين القدرة على مراقبة نشاط هؤلاء الممثلين. وكذلك عالم النفس الأمريكي جون ديوي الذي يرى أن الديموقراطية ليست عدالة مطلقة؛ فالكمال الديمقراطي هو المنهج أو الإدارة التي ستمكن العدالة من الانبعاث دون انقطاع عبر مسار تصويب الخلل والقصور المترتب على الديموقراطية التمثيلية وذلك عبر مشاركة واسعة لعموم المواطنين والمجتمع المدني باعتبارهم الأكثر ارتباطا بقضاياهم والأكثر معرفة بها والأجدر بإيجاد حلول لها.

زادت الدعوات إلى الديمقراطية التشاركية في أوروبا (مؤتمر للإتحاد الأوروبي ٨/٩ آذار ٢٠٠٤ في بلجيكا) الذي أكد على أزمة حادة للديمقراطية التمثيلية واعتبار الديمقراطية التشاركية هي الحل في خطوة تكميلية للديمقراطية التمثيلية
بمقاربة كل ماتقدم ومحاولة اسقاطه على الوضع القائم في الشمال والشرق السوري يمكننا أن نجد:
تتميز هذه المنطقة بخصائص عديدة على المستويات كافة؛ فعلى الصعيد السكاني تمثل هذه المنطقة خليطاً سكانياً متنوعاً دينياً وقومياً في تداخل قل أن نجد نظيره في منطقة في سوريا هذا التنوع هو في المفهوم العام والنظري مصدر غنى وإثراء للمنطقة من حيث أن كل طيف قومي يمثل حضارة ممتدة في القدم والتاريخ وتمازجها وتفاعلها يؤدي بالضرورة الى إيجاد حضارة من نوع خاص تتمثل فيه جميع الاصطياف بتمايز وتفاعل.

ونفس الأمر ينطبق على المستويات الدينية حيث أن هذا التنوع ورغم ما اكتنفه من صفحات سوداء سببتها سياسات الدول الساعة للهيمنة على المنطقة إلا أنه بقي محافظاً على خصوصيته وتفاعله بشكل إيجابي يفوق كل الوقائع السلبية التي اعترته.

إلا أن هذين العاملين ورغم أهميتها في إنتاج مجتمعات ذات طابع متعدد الحضارات والثقافات يكاد يكون في الجهة الاخرى سيفا جارحاً وقاتلاً حيث عملت بعض القوى الإقليمية والدولية على الاستثمار فيه بشكل سلبي يلبي مطامعها ومصالحها فعمدت إلى إذكاء الفتن لإشعال فتيل النزاع بين جميع أطياف المنطقة مستندة إلى اجترار وقائع تاريخية تشكل خطوطاً حمراء لدى بعض الأطراف بين متضرر ومنكسر.

أما على الصعيد الاقتصادي تعتبر المنطقة من أغنى المناطق في سوريا إن لم نقل حتى في المناطق الإقليمية المجاورة من حيث امتلاكها لجميع مقومات الاقتصاد الناجح والتكامل من ثروات باطنية (نفط، غاز) وثروات زراعية متنوعة وثروة مائية هائلة عمد البعض إلى تبديدها عمداً أو استجلاباً لمصالح ضيقة لبعض الأفراد أو محاولة لإفقار المنطقة وتركها تحت رحمة ووصاية السلطات المتحكمة.

إن إدارة هذا التنوع يتطلب قدراً كبيراً من المسؤوليات لتحقيق الحد الأدنى المطلوب للعدالة في التوزيع على مختلف الصعد تصدت الإدارة الذاتية في المنطقة لإدراتها بعد أن تمكنت من حمايتها من المد الإرهابي وخطره هذه الإدارة عمدت إلى محاولة تطبيق الديمقراطية التشاركية وذلك بإشراف جميع المكونات الإثنية والقومية في إدارة الهيئات التابعة لها إلا أننا من منظور تعريف الديمقراطية التشاركية الحقيقية بجد أن ما تقوم الإدارة الذاتية بتطبيقها في هذا الصدد لا يتعدى أن يكون نسخة من الديمقراطية التمثيلية القائمة على المحاصصة في الإدارة والتمثيل في الهيئات المختلفة هذه المحاصصة رغم أهميتها وقيامها على مبدأ التساوي والعدالة في التمثيل فهي بهذا تطبق مبدأ الإشراك وليس التشاركية حيث أن هذين المفهومين يتداخلان كثيراً ولكنها مختلفان من حيث الفكرة وجوهر مبدأ التشاركية.

نقطة أخرى يمكن إثارتها بالنسبة لمفهوم التشاركية في المنطقة وهي تعدد السلطات المسيطرة رغم التباين الواضح في هذا المجال فالحكومة السورية لازالت تسيطر على مناطق في أكبر مدينتين في المنطقة وهي تطبق فيهما مبدأ التشاركية من خلال ما يعرف بالإدارة المحلية والتي لا تعدو أن تكون سيطرة للحكومة المركزية من خلال إدارات محلية تعمل من خلالها على فرض سياساتها ورؤيتها للإدارة حيث أن ممثلي هذه الإدارات يغلب عليها الطابع التمثيلي السياسي المهيمن عليه أصلاً، أما بالنسبة للإدارة الذاتية والتي تسيطر على أغلب جغرافيّة المنطقة فقد قامت بالعديد من الخطوات ورغم ذلك بقيت قاصرة عن الوصول للديمقراطية التشاركية ولعل أبرز هذه الخطوات هو لجان الأحياء أو ما يتم التعارف عليه باسم الكومينات والتي من المفترض بها أن تقوم بدور فاعل في مراقبة أداء الإدارة والضغط لتعديل وتصويب القرارات إلا أنها بقيت أسيرة الأجندة السياسية التي فرضت تشكيلها حيث أن هذه اللجان انحصر دورها بالواقع الخدمي دون أن ترقى إلى مستوى المشاركة في صناعة القرار ومراقبة تنفيذه بل كرست نفسها بولاء مطلق لصالح تنفيذ القرارات الإدارية فالهيئات المعنية تصدر القرارات العامة ولا دور لهذه اللجان في مناقشتها أو إبداء الرأي فيها هذا من ناحية اخرى فقد عمدت الإدارة إلى تشكيلات تحسب في المنظور النظري على التنظيمات المدنية (التنظيمات النسوية_المنظمات الأدبية والثقافية...) إلا أن جميع هذه المنظمات تبقى أسيرة الفكرة السياسية التي نشأت في ظلها بحيث أن هناك تابوهات أو خطوط حمراء رسمت للجميع لا يمكن تجاوزها أو نقاشها هذا الأمر يضع مفهوم الديمقراطية التشاركية أمام عقبات جمّة لا بد من العمل على تجاوزها إذ إن المحاصصة أو الإشراك الإثني والقومي لا يغني عن التشاركية التي تعني المشاركة الفاعلة للمواطنين في صناعة القرار والرقبة عليه مع الأخذ بعين الاعتبار العديد من المعوقات التي تقف بوجه الواقع العملي بتطبيق الفكرة وتتمثل المعوقات في الوضع الأمني عموماً وعدم وجود حالة استقرار دائم، و تعدد السلطات في السيطرة على المنطقة، ووضع سقف للمناقشة لا يمكن تجاوزه مما يقودنا إلى سياسة الأنظمة السابقة ويفقد الحريات العامة جزءاً من نطاقها الفاعل، والشرعية؛ إذ أن لا شرعية دولية أو إقليمية أو محلية منحت لهذه الإدارة حتى الآن مما يؤدي إلى اعتكاف العديد من القوى والشخصيات عن الأنخراط في هذا النوع من العمل مع ملاحظة إن بعض التحالفات مع الإدارة لا تعدو أن تكون سوى تحالفات تكتيكية لا إستراتيجية. لذلك نرى ومن وجهة نظر خاصة إنه وللنهوض بمفهوم الديمقراطية التشاركية في المنطقة لا بد من إتخاذ الإجراءات الآتية :

١_ إطلاق الحريات العامة ضمن الأطر والإتفاقيات الدولية لحرية الرأي.
٢_ ضرورة الإشراك المجتمعي الفاعل في صياغة القرارات وإعطائه دوراً فاعلاً في الرقابة عليها.
٣_ تطوير عمل آلية لجان الأحياء بحيث تكون معبرة عن رأي الشارع والمواطن أكثر من تعبيرها عن إرادة الإدارة.
٤_ إطلاق دور منظمات المجتمع المدني وإعطائها الحرية الكاملة لمراقبة أداء الإدارة في رسم السياسة العامة للمنطقة ومتابعة تنفيذ القرارات.
٥_ توسيع نطاق مشاركة مراكز البحوث والرصيد والأخذ باستطلاعاتها للرأي العام وتوصياتها في ما يخص العمل الإداري والسياسي.
٦_ إيجاد منصات إلكترونية يمكن من خلالها مناقشة القرارات وبيان سلبيات الأداء وهذا النوع يسمى الديمقراطية التشاركية الرقمية.
٧_ الأخذ بمبدأ الميزانية التشاركية والتي تؤدي إلى المشاركة التطوعية الفاعلة لكافة أطياف المجتمع.

البيان المشترك لشبكات ومؤسسات المجتمع المدني السوري حول التوطين وتعزيز القيادة المحلية مخرجات مؤتمر حلول محلية لتحقيق أثر مستدام

شاركت منصة مؤسسات المجتمع المدني في شمال وشرقي سوريا – NGO Platform في أعمال مؤتمر العمل والتعافي الإنساني من أجل سوريا، الذي جمع أكثر من...

Read more
ختام أعمال مؤتمر العمل والتعافي الإنساني من أجل سوريا

اختُتمت بين 1 و3 ديسمبر أعمال مؤتمر العمل والتعافي الإنساني من أجل سوريا بمشاركة واسعة من المنظمات المحلية والدولية، حيث شاركت منصة مؤسسات المجتمع المدني...

Read more
موقف مشترك حول الحاجة إلى خطاب مدني مسؤول في ضوء بيان “مدنيّة” حول شمال وشرق سوريا

تتعاظم مسؤولية الفاعلين المدنيين اليوم مع ازدياد هشاشة المشهد السوري واستمرار الانقسام المجتمعي. وفي لحظة دقيقة كهذه، يصبح الموقف المدني عنصراً بالغ الأهمية في حماية...

Read more