

"قانون قيصر": هل يحمي المدنيين السوريين حقاً؟
2020-08-24
أنس أحمد
أكّد أكثر من مسؤول أمريكي في أوقات مختلفة، وفي مناسبات عديدة عدم وجود نية لتغيير الأسد وإنما تغيير سلوكه. حتى شرح جيمس جفري بأن المقصود من ذلك هو عدم تغيير الأسد عسكرياً أو دولياً. والسؤال الملّح يتمثل بحقيقة معرفة الأمريكيين بأن هذا النمط من الأنظمة يستطيع التعايش مع العقوبات، ويستطيع تحويل الأزمة إلى فرصة بالنسبة له. فهل أمريكا جادة بالفعل بهذا الطلب؟ ألم يرى العالم بالتجارب المُرّة أن نظام الأسد، و الأنظمة التي هي على شاكلته تتعامل مع شعوبها بعقلية المؤامرة وبأساليب البطش والقمع، المشكلة في هذا النمط من الأنظمة أن القمع ليس أسلوباً لإدارة السياسة والحكم وحسب وإنما هو ثقافة لدى البيئات المؤيدة للأنظمة وقاعدتها الاجتماعية. وأحد الأمثلة على ذلك، الطبيب السوري الذي اعتقلته السلطات الألمانية، والمفترض أن البعد الإنساني في مهنته غالب على أي انحياز سياسي، ورغم ذلك كان يعذب ويقتل المعارضين للنظام. وهذا واحد من مئات وتجارب آلاف الأطباء المؤيدين للنظام. كما أن تيارات وأحزاب وشخصيات فكرية جاهرت بتأييدها لإبادة المعارضين في سوريا ومصر، بل أنها زاودت على أنظمة القمع، على الرغم من قساوتها، وطالبت بالمزيد، وتغنّت بالبراميل المتفجرة والكيماوي والقتل في المعتقلات.
تغيير سلوك مثل هذه الأنظمة، يتطلب تغيير أسلوب إدارتها للسياسة والحكم؟ سيكون عليها تغيير كامل أطقمها الإدارية والعسكرية والأمنية والحزبية. وذلك أيضا لا يكفي، سيكون عليه تغيير أيديولوجيتها وأساليب تفكيرها ونظرتها للمجتمع. باختصار، إذا غيرت هذه الأنظمة، وعلى رأسها نظام الأسد، سلوكها الحالي، فستسقط حتماً، وستساق إلى المحاكم الجنائية لمحاسبتها على الفظائع المهولة التي ارتكبتها بحق الملايين من شعوبها. إضافة إلى أن مسؤولي الأنظمة الشمولية يعيشون منفصلين عن الواقع ويعيشون حالة إنكار الواقع وحقائقه بشكل جنوني.
ما تقدم ليس افتراضاً يستند إلى معرفة طبيعة هذه الأنظمة وتجاربها وحسب وإنما يستند إلى تصريحات واضحة. يقول وزير خارجية الأسد وليد المعلم، يوم الثلاثاء (23/6/2020): إن العقوبات الأمريكية على سوريا، أو ما يسمى بقانون "قيصر"، الذي دخل حيز التنفيذ، الأسبوع الماضي، هو "فتح باب لعودة الإرهاب"، ويجب تحويل هذا القانون إلى فرصة لـ"تحقيق الاكتفاء الذاتي". فهل من عاقل، ويحترم عقول الآخرين يتحدث عن "تحقيق الاكتفاء الذاتي" في مثل ظروف سوريا الآن. وأضاف المعلم، في مؤتمر صحفي، انه يجب السعي لتحويل قانون "قيصر" إلى فرصة لـ"النهوض بالاقتصاد الوطني"،و "تحقيق الاكتفاء الذاتي"، و "تعميق التعاون مع الأصدقاء والحلفاء في مختلف المجالات"، مؤكداً على أن المعركة ضد الإرهاب "لن تتوقف".
هذا الإنكار الجنوني ليس حالة فردية بل هو هذيان جمعي لدى حاشية الأسد، فهاهو سفيره في لبنان علي عبد الكريم علي يقول إن سورية ولبنان قادرتان على تحويل ما يسمى "قانون قيصر" إلى فرصة اقتصادية واجتماعية مشيراً إلى أن تفعيل القانون يعبّر عن الفشل الأمريكي بعد انتصار وصمود سورية!!!جاء كلام السفير علي في كلمة له أثناء استقباله فعاليات لبنانية نقلتها وسائل إعلام إن "حضوركم يعبر عن وعيكم بأن استهداف سورية هو استهداف لكم وللبنان، ولا يستطيع لبنان ولا سورية ولا مصر ولا فلسطين أن تنأى أي منها عن الأخرى، ويدرك ذلك الإسرائيلي والأميركي". وأضاف علي أن "سورية واجهت العدوان الذي لم يبق سلاح إلا واستخدم خلاله، وصمدت وانتصرت، وهذا الصمود والانتصار أفشل الأميركي وأرعبه، لذا ذهب لتفعيل القانون الذي يعبر عن الفشل الأميركي ويعبر عن يأسه بعد انتصارها بوقوف حلفائها وأصدقائها معها"، مشيراً إلى "التخبط الذي يحصل في الداخل الأميركي عبر خرق حقوق الإنسان، وممارسة الإجرام واللاإنسانية".
وصفة الصمود للحكيم علي سبقته إليها مستشارة الأسد،الحكيمة، بثينة شعبان, ألم تتأكد حكمتها حينما صرحت بأن الاقتصاد السوري الآن أفضل مما كان عليه قبل عام 2011 بخمسبن مرة. ولو تحرت المستشارة الصدق لوجب عليها القول: إن ثروتها وثروات كل عناصر مافيا الأسد أفضل مما كانت عليه قبل الثورة بخمسين مرة، أو أكثر. وأجمعت التصريحات الحكومية بأن سوريا ستتخذ إجراءات وستتغلب على العقوبات الغربية، من خلال "الاعتماد على الذات". لكن وكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة الجمعة لم تقتنع بما قالته المستشارة الحكيمة شعبان، وحكومة الأسد. فقد حذرت وكالات الإغاثة من أن سوريا تواجه أزمة غذاء غير مسبوقة. وقال برنامج الأغذية العالمي إن عدد من يفتقرون إلى المواد الغذائية الأساسية ارتفع بواقع 1.4 مليون في غضون الأشهر الستة المنصرمة. وذكرت المتحدثة باسم البرنامج إليزابيث بايرز أن أسعار السلع الغذائية ارتفعت بأكثر من 200 في المئة في أقل من عام واحد بسبب الانهيار الاقتصادي في لبنان، وإجراءات العزل العام التي فرضتها سوريا لاحتواء فيروس كورونا.
ردود أفعال مؤيدي الأسد والموالين له:
ليس منتظراً أو متوقّعاً من الموالين أن يروا في “قانون قيصر” غير تأثيراته السلبية على معيشتهم، التي كانت قد تضررت كثيراً قبل صدوره والشروع في تفعيله، لذلك صبّوا كل غضبهم وانتقاداتهم على الولايات المتحدة والعقوبات متناغمين مع خطاب النظام مع استعادتهم لنظرية المؤامرة،هذا ما يعلنونه علناً، وبشكل خاص في إعلام النظام. لكن خارج الإعلام، يمكن التقاط إحباطهم من الحال التي أوصلهم إليها هذا النظام الذي أفقرهم وأذلّهم في سعيهم إلى أبسط متطلبات العيش. وعند التواصل المباشر مع الأوساط القريبة من رأس النظام أو البعيدة عنه باتت تشير إليه بأقذع الأوصاف لكنهم لا يجهرون بتحميله المسؤولية على مواقع التواصل الاجتماعي،غير أنهم لا يتساءلون لماذا وكيف ومن أوصلهم إلى هذه الحال وماذا ينبغي فعله الآن، وسنناقش في فقرة لاحقة من دمّر الاقتصاد السوري ومتى وكيف قبل "قانون قيصر"، وحتى قبل الثورة.
ردود فعل التيار الثالث:
لا نقصد بالتيار الثالث تياراً نشأ بعد صدور "قانون قيصر"، نقصد التيار الذي ميّز. نفسه داخل صفوف الثورة بسبب الطابع الديني لقطاعات واسعة داخل صفوف الثورة، وبسبب أسلوب العنف الذي مارسته. لن نناقش هنا الظروف الذي أدت لارتداء جمهور واسع من الثوار رداءً دينياً ومذهبياً. والشروط التي فرضت عليه اختيار طريق العنف في ممارسته السياسية الثورية. ولكن نريد أن نؤكد أن هذا التيار الثالث هو تيار معارض حقيقي وفعلي للنظام وموقفه من "قانون قيصر" هو موقف مبدئي وليس انتهازياً. لكن ربما فاته أن في قانون قيصر فقرات تتقاطع مع مطالب وأهدف يرفعها هذا التيار بصدق وعن حسن نية. وبالتالي كان أجدر بهذا التيار أن يتبنى تلك النقاط بوصفها مطالب أصيلة له ولا يكتفي برفض القانون جملة وتفصيلاً والوقوف ضده بالمطلق.
ففي فقرة تعليق تطبيق القانون مطالب هي بالأساس مطالب تتناسب مع مواقف هذا التيار من ممارسات النظام القمعية والوحشية التي مارسها النظام. وفي حال تبنى هذه المطالب يكون منسجماً مع نفسه، لكنه مع الأسف لم يفعل!
فتحت عنوان: تعليق تطبيق القانون
تحت بند العنوان الثالث: أحكام عامة، نصّت المادة 301 من قانون قيصر على الحالات التي يمكن فيها تعليق تطبيق هذا القانون، وهي:
أولًا: بصفة عامة – يجوز للرئيس أن يعلق كليًا أو جزئيًا فرض العقوبات التي يتطلبها هذا القانون لفترات لا تتجاوز 180 يومًا، إذا قرر الرئيس أن المعايير التالية قد استوفيت في سورية:
1. لم تعد الحكومة السورية أو حكومة الاتحاد الروسي يستخدمان المجال الجوي فوق سورية لاستهداف السكان المدنيين من خلال استخدام الأجهزة الحارقة، ومن ضمنها البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والأسلحة التقليدية، ومنها الصواريخ والمتفجرات.
2. لم تعد المناطق المحاصرة من قبل حكومة سورية أو حكومة الاتحاد الروسي أو حكومة إيران أو شخص أجنبي ورد وصفه في “هذا القانون” معزولة عن المساعدات الدولية وإمكانية الوصول بانتظام إلى المساعدات الإنسانية، وحرية السفر، والرعاية الطبية.
3. قيام الحكومة السورية بإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين الذين يتم احتجازهم قسرًا في نظام السجون في نظام بشار الأسد، وسماح الحكومة السورية بالوصول الكامل إلى نفس التسهيلات لإجراء التحقيقات من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية المناسبة.
4. في حال لم تعد قوات الحكومة السورية وحكومة الاتحاد الروسي وحكومة إيران وأي شخص أجنبي موصوف في “هذا القانون” متورطة في استهداف متعمد للمرافق الطبية والمدارس والمناطق السكنية وأماكن التجمع المدني بما في ذلك الأسواق، في انتهاك للمعايير الدولية.
ثانيًا: يجب على الحكومة السورية أن
1. تتخذ خطوات للتحقق من وفائها بالتزاماتها، بموجب اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة الكيميائية وتدميرها، المبرمة في جنيف في 3 أيلول/ سبتمبر 1992، ودخلت حيز التنفيذ في 29 نيسان/ أبريل 1997 المعروفة باسم “اتفاقية الأسلحة الكيميائية”، ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، المبرمة في واشنطن ولندن وموسكو في 1 تموز/ يوليو 1968، ودخلت حيز التنفيذ في 5 آذار/ مارس 1970.
2. إحراز تقدم ملموس نحو أن تصبح من الدول الموقعة على اتفاقية حظر تطوير وإنتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية والسامة وتدمير تلك الأسلحة، المبرمة في واشنطن ولندن وموسكو في 10 نيسان/ أبريل 1972، دخلت حيز التنفيذ في 26 آذار/ مارس 1975.
ثالثًا: أن تسمح الحكومة السورية بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة للسوريين الذين شردهم النزاع.
رابعًا: أن تتخذ الحكومة السورية خطوات يمكن التحقق منها، لإقامة مساءلة ذات معنى لمرتكبي جرائم الحرب في سورية والعدالة لضحايا جرائم الحرب التي يرتكبها نظام الأسد، بما في ذلك المشاركة في عملية حقيقية وموثوقة للحقيقة والمصالحة.
إذن، يحق للرئيس الأميركي -وفقًا لنص قانون قيصر- وقف تنفيذ العقوبات المفروضة بموجب هذا القانون، في مدّة أقصاها 180 يومًا، إذا تحققت الشروط المذكورة أعلاه، وهذا هو السبب الأول والمعلن من وراء صدور القانون.
يقدّم الرئيس الأميركي خلال 30 يومًا، من تعليق فرض العقوبات، إحاطة للكونغرس يقيّم فيها الوضع الناشئ عن وقف تطبيق القانون. ويقوم الرئيس بإعادة فرض أيّ عقوبة معلّقة التطبيق، في حال وجد أنّ معايير التعليق المنصوص عليها في القانون لم تعد مُستوفاة.
1 ـ 4 ردود أفعال المعارضة الجذرية للنظام:
يُمكن لبعض المعارضين السوريين أن يقولوا: لقد جاء "قانون قيصر" بعد "خراب البصرة"!. كما يُمكن لبعضهم الآخر القول: "أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي".
2 ـ "قانون قيصر": مخاض عسير وولادة قيصرية:
مرَّ قانونُ قيصر لحماية المدنيين في سوريا بمراحل متعددة وتمت صياغة مسودات ومشاريع قوانين مقترحة من الحزبين في الكونغرس الأمريكي موجّهة ضد الحكومة السورية. وتضمَّنتِ بعض الإصدارات السابقة من مشروع قانون قيصر اقتراح إنشاء مناطق حظرٍ للطيران فوق سوريا بالإضافةِ إلى اقتراحات أخرى. فقد ظلت المسودة HR5732 لوقتٍ طويلٍ في الكونغرس على الرغمِ من موافقة الديمقراطيين و الجمهوريين عليها على حدٍ سواءٍ؛ وبحلول 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 أقرَّ مجلسُ النواب بالإجماع قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا (HR 5732)؛ وهو التشريعُ الذي كان من المتوقع أن يفرضَ «عقوباتٍ جديدةٍ» على الحكومة السورية. في الواقع؛ كانت ستطلبُ هذه النسخة من التشريع الرئيس الأمريكي تقديمَ تقريرٍ إلى الكونغرس حول احتمالات فرض منطقة حظرٍ للطيران في سوريا. كان مشروع القانون قد أذنَ أيضًا لوزيرِ الخارجية بدعم الكيانات التي تقوم بجمع وحفظ الأدلة للمحاكمة النهائية لمن ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا منذُ آذار/مارس 2011 وحتى الوقتِ الحاضر؛ كما كانَ سيُطلب من الرئيس تقديم تقريرٍ إلى الكونغرس بشأنِ أسماء المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة المُرتكَبة في حقّ الشعب السوري والمتورّطين في كل تلك الجرائم. ولكن الصيغة النهائية لقانون قيصر التي دخلت حيز التنفيذ في 17 حزيران 2020 اعتمدت العقوبات ولم تعتمد فرض منطقة حظر للطيران. وهذا ليس لمصلحة المدنيين السوريين لأن حظر الطيران أكثر فعّالية بمواجهة النظام وروسيا وإيران. وفي الوقت نفسه يجنب معارضي الأسد الذين ثاروا ضده الآثار السلبية للعقوبات. لكن الإرادة الأميريكية فضلت الطريق الأسهل والأسلم وفقاً لمصالحها بالطبع.
الفرق بين قانون “قيصر” وبين العقوبات الأميركية السابقة
سبق أن فرضت الإدارات الأميركية المختلفة عقوبات على سورية، قبل اندلاع الثورة السورية، فكانت العقوبات المفروضة عام 2004، بموجب الأمر التنفيذي 13388 لمواجهة سياسة النظام السوري بمواصلة احتلال لبنان ودعم الإرهاب ومتابعة برامج أسلحة الدمار الشامل والصواريخ، ثم تبعتها العقوبات المفروضة بموجب الأمر التنفيذي رقم 1399 التي جاءت بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري واثنين وعشرين لبنانيًا آخرين عام 2005، وبعد اندلاع الثورة السورية، فرضت إدارة الرئيس أوباما العديد من العقوبات على النظام السوري، من بينها القانون الخاص بمحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في سورية.
ما يتميّز به قانون قيصر عن تلك العقوبات أنه:
1. يستهدف القانون جميع المتعاملين مع الحكومة السورية، ومن ضمنهم الأشخاص الأجانب من غير الأميركيين، بينما استهدفت العقوبات الأشخاص الأميركيين فقط.
2. حدد القانون مدّة خمسة أعوام قابلة للتجديد لسريان مفاعيله، بينما جاءت العقوبات السابقة مفتوحة المدّة، وتبقى سارية إلى أن يتمّ إلغاؤها بأمر تنفيذي خاص من الجهة التي أصدرتها.
مجالات تطبيق القانون
واضح من قراءة نصوص قانون قيصر أنّه يفرّق بين نوعين من العقوبات: أحدها يمكن وصفه بـ “العقوبات القطّاعية” التي تستهدف قطاعات اقتصاديّة أو ماليّة محددة، مثل قطاعات الطيران والنفط والغاز والتكنولوجيا ومواد البناء والخدمات الهندسية، ومثل القطاعات المالية والمصرفية، وثانيها يوصف بـ “العقوبات الفردية” التي تستهدف فئات محددة من الأشخاص والكيانات التي تربطها بالحكومة السوريّة علاقات تعاون تساعدها في ارتكاب مزيد من الجرائم بحقّ المدنيين السوريين.
تهدف الفئة الأولى من العقوبات إلى حرمان الحكومة السورية من مواردها الاقتصاديّة والمالية، وكذلك الحدّ من خدمات التكنولوجيا التي تساعدها في تطوير قدرات أجهزتها الأمنية والعسكرية، والنتيجة الحدّ من قدرتها على الإضرار بالمدنيين في سورية.
أمّا الفئة الثانية، فتهدف إلى ردع المتعاملين مع الحكومة السورية بشكل خاص، بحيث يُجبرون على المقارنة بين الفوائد التي يمكن أن يجنوها من تعاملهم معها، وبين الخسائر المحتملة من منعهم من التعامل مع الحكومة الأميركية. كما تهدف إلى خلق حالة من الردع العام لكلّ من يفكر في التعامل مع الحكومة السورية، لكونه سيغامر بخسارة مصالح أكبر وأعمق يمثلها تعامله مع الحكومة الأميركية.
ومن النقاط المهمّة التي تجب الإشارة إليها، أنّ قانون قيصر لا يمنع المواطنين والأشخاص الأميركيين من التعامل مع الحكومة السورية فقط، بل يستهدف أي شخص غير أميركي طبيعي أو اعتباري، وكذلك الكيانات والدول الأجنبية.
ولا بدّ من ملاحظة أنّ القانون استخدم عبارة “الحكومة السورية”، عندما تكلّم عن مطارح تنفيذ العقوبات والأشخاص والكيانات المفروضة عليها في حال تعاملها معها، ولم يستخدم العبارة الرائجة في التعامل السياسي أي “النظام السوري”. مردّ ذلك -بطبيعة الحال- إلى الفرق بالمصطلحات بين لغة التشريع والقانون وبين لغة السياسة. لا يستخدم المشرّع مصطلحات عائمة غير معرّفة بموجب قواعد قانونية ثابتة، فلغة القانون تتسم بصفات عديدة من أهمّها العمومية والثبات، بينما يستخدم الساسة مصطلحات عائمة مرنة غير واضحة الحدود بشكل قاطع، للتعبير عن مواقف متغيّرة بتغيّر المصالح الموجبة لاتخاذها. وعندما استخدم القانون عبارة أو مصطلح “النظام السوري” في الفقرة 3 من البند 1 من المادة 301، في معرض اشتراطه “إطلاق سراح جميع المساجين السياسيين الذين يتم احتجازهم قسرًا في نظام السجون في نظام بشار الأسد”؛ فإنه كان يميّز بين الحكومة الرسمية التي لا تملك أي سيطرة فعلية على هذا الملف، وبين الأجهزة الأمنيّة صاحبة القرار الفعلي فيه.
لعلّ هذا التوضيح يُبدد بعض المخاوف التي ثارت في نفوس كثير من السوريين (التي عززتها بطبيعة الحال سياسة البروباغندا التي استخدمها النظام السوري لمواجهة استحقاقات هذا القانون) من أنّ العقوبات لن تستمر لتشمل سورية بعد حصول التغيير السياسي فيها. سيكون لشرح القسم المتعلّق بوقف تنفيذ هذا القانون، وللقسم الخاص بإنهاء العمل به، أثرٌ واضحٌ في إجلاء هذه المخاوف.
استثناءات تطبيق القانون
نصّت المادة 302 من قانون قيصر على نوعين من الاستثناءات، تحت مسمّى التنازلات والإعفاءات، وهي التالية:
أولًا: الإعفاءات
تعفى الأنشطة والمعاملات التالية من العقوبات المأذون بها بموجب هذا القانون:
1- أي نشاط يخضع لمتطلبات الإبلاغ، بموجب العنوان الخامس من قانون الأمن القومي لعام 1947.
2-أيّ معاملة ضرورية للامتثال لالتزامات الولايات المتحدة بموجب:
أ – الاتفاقية المتعلقة بمقر الأمم المتحدة، الموقَّعة في 26 حزيران/ يونيو 1947، ودخلت حيز التنفيذ في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، بين الأمم المتحدة والولايات المتحدة.
ب – اتفاقية العلاقات القنصلية، المبرمة في فيينا في 24 نيسان/ أبريل 1963 ودخلت حيز التنفيذ في 19 آذار/ مارس 1967.
3- أي اتفاقية دولية أخرى تكون الولايات المتحدة طرفًا فيها.
ثانيًا: التنازلات العامة
بصفة عامة، يجوز للرئيس، لفترات لا تتجاوز 180 يومًا، التنازل عن تطبيق أي حكم من أحكام هذا القانون، بالنسبة إلى شخص أجنبي، إذا كان الرئيس يقرّ لجان الكونغرس المناسبة بأن هذا التنازل في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة.
ثالثًا: التنازلات الإنسانية
بصفة عامة، يجوز للرئيس أن يتنازل عن تطبيق أي حكم من أحكام هذا القانون على المنظمات غير الحكومية التي تقدم المساعدة الإنسانية التي لا يغطيها التفويض الموصوف في القسم 201، إذا أقرّ الرئيس، لفترات قابلة للتجديد لا تتجاوز سنتين، للجان الكونغرس المناسبة بأن هذا التنازل مهم لتلبية الحاجة الإنسانية ويتسق مع مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة.
وبناء على ذلك؛ يمكننا القول إنّ القانون قد نصّ على استثناء حالات محددة من العقوبات المنصوص عليها في القانون، وتنحصر هذه الحالات بما يتعلق بتلبية الحاجة الإنسانية ولا يتعارض مع مقتضيات الأمن القومي الأميركي، وبمقتضيات اتفاقيّة مقر الأمم المتحدة واتفاقية العلاقات القنصلية، وأحكام أي اتفاقية دولية تكون الولايات المتحدة طرفًا فيها.
تاريخ انتهاء سريان القانون
نصّت المادة 305 على أن “ينتهي سريان هذا القانون، بعد 5 سنوات من تاريخ سن هذا القانون”.
سيكون لذلك أثر إيجابي بالنسبة إلى الجالية السورية في الولايات المتحدة، فإذا ما فاز الديمقراطيون بالانتخابات القادمة، ومن المتوقّع أن يعرقلوا تنفيذه كما فعل الرئيس أوباما سابقًا؛ فإنهم لن يتمكّنوا من التأثير بشكل كبير على مساعي تجديده، باعتبار أنّ فترة ولايتهم ستنتهي قبل انتهاء مدّة سريانه. سيسمح هذا الأمر للجالية السورية المساندة للثورة بتكثيف جهودها لتمديد العمل بالقانون، في حال عدم تحقق عملية الانتقال السياسي في سورية خلال هذه الفترة.
آثار تطبيق القانون
تتوزّع آثار تطبيق القانون على نواحٍ عدّة، يجب النظر إليها جميعًا لتغطية النتائج المحتمل ترتّبها عليه.
أولًا: الآثار السياسية
أوقف القانون المساعي السياسية التي يبذلها عدد من أنظمة الحكم العربيّة لإعادة تأهيل النظام السوري، وأعاق بشكل كبير جهود روسيا لاختراق الساحة العربية، من خلال دول محددة مثل الجزائر والسودان والإمارات العربية المتحدة ولبنان والعراق.
سيمنع القانون روسيا من ترجمة انتصاراتها العسكرية التي حققتها باستخدام العنف المفرط والأسلحة المحرّمة دوليًا، إلى نتائج سياسيّة. وسيكون من المستحيل على روسيا الادعاء بأنّها صنعت السلام بعد أن انتصرت عسكريًا، لأن السلام يحتاج إلى الاستقرار الاقتصادي، وهذا لن يتحقق بدون عودة السكان النازحين واللاجئين إلى مدنهم وقراهم، وهذا لن يتم دون تحقيق انتقال سياسي يزيل السبب الذي دفعهم إلى النزوح والهجرة، ولن يتحقق رجوع هؤلاء إن لم يكن هناك برنامج واضح المعالم ومدعوم دوليًا لإعادة الإعمار، وهذا الأخير لن يتم بدون تحقق الشروط التي حددها القانون.
لا شكّ في أنّ روسيا تحاول مقايضة الملف السوري مع الأميركيين بملفات أخرى أكثر استراتيجية وحساسية وارتباطًا بأمنها القومي ومجالها الحيوي، مثل ملف القرم والملف الأوكراني، لكنّها ليست في موقع يسمح لها بفرض شروطها، فهي الخاسر الأكبر من حالة الاستنزاف الدائم مع عدم القدرة على التعويض في ظلّ الانهيار الكبير الذي وصلت إليه الأوضاع المالية والاقتصادية في سورية. لذلك سيضاف هذا الأمر إلى سجلّ الانتكاسات التي مُنيت بها السياسة الخارجية الروسية.
ولا شكّ في أنّ بإمكان المعارضة السورية أن تجني بعض المكاسب السياسية، إن استطاعت أن تستغلّ فرصة الضغط الهائلة التي يوفرها القانون على الدول الإقليمية وعلى الفاعلين الدوليين في الملف السوري، لكن عليها أولًا أن تستعيد شرعيتها الشعبية التي فقدتها خلال السنوات الماضية، لأسباب كثيرة لا مجال للتطرّق إليها الآن، وعليها ثانيًا أن تشكّل خلّية أزمة سياسية لتجديد المطالبة بحقوق السوريين، وبيان تقاطع ذلك مع مصالح الدول المختلفة في استتباب الأمن والاستقرار والسلام الدوليين. إضافة إلى ذلك عليها أن تعمل على استثمار الجاليات السورية المساندة للثورة والمقيمة في أوروبا، لاستصدار قوانين عقوبات شبيهة بقانون قيصر، لأنّ حرمان النظام السوري وداعميه من التعامل مع الدول الأوروبية سيشكل نقطة فارقة في مسار التحوّل السياسي في سورية، لأنه ببساطة يحاصر ويحدّ من أسباب إعادة تأهيل هذا النظام وإعادته للساحة الدولية.
سيدقّ القانون مسمارًا كبيرًا في دفّة العلاقة بين النظام السوري والنظام الإيراني وتوابعه الإقليمية مثل “حزب الله”. وسيشدد الحصار على موارد الطرفين من العملات الصعبة، وسيصعّب على حلفاء النظام إمداده بالمعونات والمساعدات ومقوّمات الاستمرار في الحرب على الشعب السوري.
ثانيًا: الآثار الاقتصادية
سيكون للقانون تأثير هائل على إعاقة جهود إعمار سورية، في ظلّ استمرار نظام الأسد في الحكم. أي إنّ هذه العملية ستتوقف إلى حين تحقيق الاشتراطات التي نصّ عليها القانون. ومن المعروف أنّ أكبر الممولين المحتملين لإعادة الإعمار هم الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الخليجية، مثل السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والكويت. وسيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على هذه الجهات التفكير في تمويل إعادة الإعمار في سورية في ظلّ نفاذ أحكام قانون قيصر.
سيؤثر القانون -بلا شك- على الوضع المعيشي للسوريين المقيمين في مناطق سيطرة النظام، وسيحدّ من قدرة مؤسسات الدولة على تأمين الوقود وقطع غيار الطائرات والتكنولوجيا الخاصة بالاتصالات وغيرها من المواد والخدمات التي يحتاج إليها المواطن. لكنّ الأولوية كانت على الدوام -بالنسبة إلى هذا النظام- تأمين إمدادات الجيش والأجهزة الأمنية، وآخر ما كان يفكر فيه تأمين احتياجات المواطنين.
سيؤثر القانون على مصادر القطع الأجنبي الرسمية للنظام السوري، ولذلك سيلجأ النظام -كعادته- إلى إفراغ جيوب السوريين منها باستصداره القوانين والقرارات التي تحرّم التعامل بها خارج إطار مصارفه ودورته المستندية، سيحاول أن يجبر المواطنين السوريين على استلام حوالاتهم المالية التي يرسلها إليهم أبناؤهم من خارج القطر، وفق أسعار الصرف التي يحددها هو. وستنهار الليرة السورية أكثر فأكثر، حتى تصبح بلا أي قيمة عمليًا. لكنّ السبب الأساس في ذلك ليس القانون بحدّ ذاته، بقدر ما هو الخراب والدمار الذي سببته سياسة النظام ذاتها بتدمير مصادر الإنتاج الزراعي والصناعي ومقومات التجارة والسياحة.
الآثار القانونية
سيدعم القانون جهود جمع الأدلّة التي تتعلق بانتهاكات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سورية، وقد يكون لذلك أثر ملحوظ في المستقبل على سير التحقيقات بشأن هذه الانتهاكات الجارية، في سورية، وعلى مسيرة الملاحقات القضائية الجارية لمرتكبيها، خارج سورية.
3 ـ جذور الأزمة الاقتصادية في سوريا:
خمسون عاماً، خمسة عقود، نصف قرن، هذا هو عمر الأزمة الاقتصادية في سوريا تحت سلطة آل الأسد. وبالإضافة إلى عمرها المديد لا يقتصر وصفها على أنها مزمنة، فهي أزمة بنيوية عميقة تضرب جذورها في البنية الإنتاجية للاقتصاد. اغتصب الأسد الأب السلطة في سوريا وسعر الدولار الأميريكي أقل من أربع ليرات سورية ولا يُستبعَد أن لا ينتهي حكم هذه العائلة إلا ويصبح سعر الدولار أربعة آلاف ليرة سورية أو أكثر.
حصل الأسد الأب على موارد مالية ضخمة لم تشهدها سوريا في تاريخها. تجمعت بين يديه مليارات الدولارات من زيادة إنتاج النفط والقفزة الهائلة لأسعاره إثر حرب تشرين 1973، ومن المنح والمساعدات العربية بعد الحرب، ومن عائدات مرور النفط العراقي عبر سوريا إلى مصب بانياس النفطي. أدار الأسد الأب هذه الثروات بعقلية السلطان في دولة سلطانية قروسطية وليس بعقلية رئيس جمهورية في "دولة حديثة، في الدولة السلطانية خزينة الدولة هي جيب السلطان. لم تحدث تنمية بل حدثت أزمة اقتصادية خانقة في أواسط ثمانينيات القرن العشرين، ومن مؤشراتها: تقلص موجودات المصرف التجاري السوري من العملات الصعبة في العام 1987 إلى حوالي (71 ألف) دولار فقط. تدهورت قيمة العملة السورية بأكثر من عشرة أمثال من 3.9 ل.س للدولار الواحد في السبعينيات إلى قرابة من 45 ل.س في نهايات الثمانينيات وارتفعت في التسعينيات حتى 50 ل.س. تدهور واسع للفئات الوسطى في سورية لتنضم إلى الفئات الفقيرة. وقد ترافق ذلك بفرص ذهبية للإثراء الطفيلي وغير المشروع.
وفي عهد الأسد الابن لم يصبح الوضع أفضل. فقد خلص تقرير أعدته هيئة تخطيط الدولة لمراجعة وتقييم منتصف المدة للخطة الخمسية العاشرة (2006 ـ 2010) والمتعلق بالنواحي الاستثمارية والإنتاجية والمالية والنقدية والتجارة الخارجية والصناعية والزراعية وقضايا اقتصادية أخرى، خلص إلى أن تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي كان لها اثر سلبي نسبي على الدخول والإنفاق لتراجع معدلات نمو الدخل الحقيقي واثر ايجابي على التنمية البشرية.
وأوجز التقرير ما يعاني منه الاقتصاد السوري من بيئة استثمارية ضعيفة وإنتاجية متدنية ومشاركة واهية للقطاع الخاص إضافة إلى منافسة دولية شديدة وتدن كبير في أسعار المواد الأولية وأشار التقرير إلى معدلات النمو التي حققتها سورية في المستوى العالمي ولا تتوافر لها عناصر الديمومة في ضوء استمرار الاختلال التي تم تحديدها قبيل الخطة وبعمق حيث أكد التقرير على البطء في التطوير المؤسساتي وضعف الإنتاجية بشكل عام والتكنولوجيا المستخدمة ذات مستوى متدن إضافة إلى عدم التنسيق على مستوى القطاعات المختلفة وتراجع الطلب العالمي واستمرار مشكلة البطالة خاصة الشبابية منها ، ومشكلة العدالة في توزيع الدخل بين الأفراد والمناطق. ومن ذلك التقرير يمكن تلخيص التحديات التي تواجه الاقتصاد السوري:ـ معوقات داخلية صعبة: بيئة استثمارية ضعيفة،إنتاجية متدنية، ـ مشاركة ضعيفة من القطاع الخاص. ـ معوقات خارجية: ـ منافسة دولية، ـ أزمات مالية حادة
هذا هو الوضع الاقتصادي قبل الثورة وقبل قانون قيصر .
وفي هذه الأيام، يحذر مدير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة دافيد بياسلي الاثنين (29/حزيران 2020) من خطر مجاعة ضخمة ستواجه سورية ونزوح السكان باتجاه أوروبا ما لم يتم توفير المساعدات بشكل عاجل. ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عن بياسلي، قوله قبل يوم من مؤتمر للمانحين، إن "نصف السوريين تقريبا ينامون وهم جوعى بينما يهدد شبح المجاعة نحو مليون شخص". وشدد بياسلي على أن عددا من السكان لن يكون أمامهم سوى النزوح من البلاد والتوجه صوب القارة الأوروبية مثلما حدث عام 2015. وأعلن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة يوم الجمعة (26حزيرا 2020) إن عدد من يفتقرون إلى المواد الغذائية الأساسية ارتفع بواقع 1.4 مليون في غضون الأشهر الستة المنصرمة ليرتفع عددهم إلى 9.3 مليون شخص. وأشارت المتحدثة باسم البرنامج إليزابيث بايرز إلى أن أسعار السلع الغذائية ارتفعت بأكثر من 200 بالمئة في أقل من عام واحد بسبب الانهيار الاقتصادي في لبنان المجاور، وإجراءات العزل العام التي فرضتها سوريا لاحتواء مرض كوفيد-19. وشهدت الأسعار في الآونة الأخيرة ارتفاعا جنونيا وصل إلى عدة أضعاف بسبب انهيار الليرة مقابل الدولار وذلك بسبب العقوبات الغربية.
تعزو حكومة أسد ومؤيدوه على وسائل التواصل الاجتماعي حالة التدهور الاقتصادي التي تعيشها البلاد لقانون "قيصر" الذي فرضته الولايات المتحدة, بينما ذكرت "اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا" التابعة للأمم المتحدة (إسكوا) في تقريرٍ لها مطلع أيار 2016، أن 28% من السوريين كانوا تحت خط الفقر حتّى 2010 أي قبل اندلاع الثورة السورية.
ورغم الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي يعانيه السوريون الذين بات أكثر من 90% منهم تحت خط الفقر، قبل تطبيق قانون قيصر، بحسب ممثّلة "منظمة الصحة العالمية" في سوريا، يستمر أسد في تزويد ميليشياته بالسلاح والنفط لحصد أرواح مزيد من السوريين على حساب لقمة عيشهم. يُعدّ بشار أسد، منذ توليه السلطة في السابع عشر من تموز 2000، مسؤولاً عن وأد الطبقة المتوسّطة وتعزيز التفاوت الطبقي في بنية المجتمع السوري، فوضع خيرات البلاد تحت تصّرف رجال أعمال وضبّاط مقرّبين منه، على حساب الطبقة الفقيرة.واختزل امتيازات الاقتصاد السوري الغني والمتنوّع بمجموعة من رجالاته الذين يقايضونه الولاء بقوت الشعب، في وقتٍ كدّس دخل البلاد القومي في حساباته البنكية، من عائدات النفط والثروات الباطنية والزراعية.
وعلى مدى 9 سنوات، تعرض الاقتصاد السوري لتدمير واسع؛ وقبل تطبيق القانون، تقدر مؤسسات دولية ومحلية خسائر الاقتصاد السوري بنصف تريليون دولار. وقدرت دراسة أعدها "المركز السوري لبحوث الدراسات" (غير حكومي)، نشرت أواخر مايو/ أيار الماضي، أن خسائر الاقتصاد السوري منذ بدء الحرب عام 2011 وحتى مطلع 2020، نحو 530 مليار دولار، ما يعادل 9.7 ضعف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد عام 2010. ووفقا لتقديرات الدراسة، فإن نسبة الدمار في البنية التحتية نتيجة المعارك في البلاد تجاوزت الـ40 بالمئة، وشملت خسائر البنى التحتية أكثر من ربع المساكن ونصف شبكات الكهرباء ونصف المدارس والمستشفيات ومرافق الخدمات. ذلك، طرأ تراجع حاد على إنتاج النفط الخام، من 400 ألف برميل يوميا في 2010، إلى أقل من 30 ألف برميل يوميا حاليا، وفق تقديرات "بريتيش بتروليوم".
وعلى مدى 9 سنوات، ارتفع الدين العام للبلاد ليتجاوز الـ200 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يقترب معدل البطالة من 50 بالمئة مرتفعا من 15 بالمئة عام 2010، وبات 85 بالمئة من الشعب السوري يعيشون تحت خط الفقر.
لأول مرة، تشمل العقوبات البنك المركزي السوري، إذ يجيز القانون مراقبة أعمال البنك في مجال غسل الأموال. ويعطي القانون صلاحية لوزير الخزانة الأمريكي، ضمن مهلة 90 يوماً من دخول القانون حيّز التنفيذ، أن يحدد ما إذا كانت هناك أسباب معقولة تقود إلى اعتبار أن المركزي السوري هو مؤسسة مالية ذات اهتمام رئيس بتبييض الأموال. وإذا ثبت ذلك، فإنه يعود للوزير (الخزانة) بالتنسيق مع الهيئات الفيدرالية المعنية، فرض الإجراءات العقابية المنصوص عليها في "قانون قيصر".
وانهارت الليرة السورية بالفعل، حتى قبل دخول القانون حيز التنفيذ، وهي معرضة بعد تطبيقه لمزيد من الانهيار. ومنذ بدء الحرب عام 2011، مرت الليرة السورية برحلة طويلة من الهبوط، من سعر يراوح حول 50 ليرة للدولار عند اندلاع الحرب، ليتجاوز سعر صرف الدولار عتبة الـ3500 ليرة مطلع يونيو/ حزيران الجاري.
وفي مثل هذه الأوضاع لا يخجل وزير خارجية الأسد المعلم أن يتحدث في مؤتمر صحفي، انه يجب السعي لتحويل قانون "قيصر" إلى فرصة لـ"النهوض بالاقتصاد الوطني"،و "تحقيق الاكتفاء الذاتي"، و "تعميق التعاون مع الأصدقاء والحلفاء في مختلف المجالات"، مؤكداً على أن المعركة ضد الإرهاب "لن تتوقف". ليس المجال هنا لتذكيره بأن أصدقاءه وحلفاءه في أوضاع اقتصادية يحتاجون من يساعدهم.
