

حرية الصحافة في مهب القوانين الصامتة
2020-10-21
أفين يوسف
سنَّ المجلس الأعلى للإعلام قانوناً في العام 2015م، لتنظيم العمل الإعلامي في مناطق الإدارة الذاتية، بالتعاون مع بعض الزملاء الإعلاميين الأكاديميين، واستند في صياغته إلى مجموعةٍ من القوانين الدولية، بماُ يتناسب مع واقع المنطقة، وكان قانون الإعلام، آنذاك، يناسب الظروف الراهنة، على الرغم من وجود بعض الثغرات فيه، غير أن المشكلة لم تكمن في بنود القانون أو تلك الثغرات، بل كانت في آلية تطبيقه، أو بمعنى آخر في عدم تطبيقه.
من هذا المنطلق، دعا اتحاد الإعلام الحر إلى تعديل القانون، وسدّ ما فيه من ثغرات، كما تواصل مع الجهات المعنية في الإدارة الذاتية، شمال شرقيّ سوريا، في الفترة التي أُعيدت خلالها هيكلةُ الإدارة، وتشكيلُ هيئاتها، وافتتاحُ مكتب الإعلام الذي حلَّ محل المجلس الأعلى للإعلام؛ ليتولى مهامه، حيث استجابت الإدارة الناشئة لرغبة الاتحاد، وشكلت لجنةَ قانونية مختصة بتعديل قانون الإعلام، في شمال وشرق سوريا، مكوَّنة من تسعة أعضاء، هم: ممثلون عن كل من مكتب الإعلام واتحاد الإعلام الحر، بالإضافة إلى صحفيين أكاديميين – مستقلين، وحقوقيين.
فهل يعدّ وضعُ قانون خاص بالإعلام ترسيخاً للبيروقراطية، وقمعاً لحرية الصحافة، وتقييداً لحقوق الصحفيين في الحصول على المعلومة وإبداء آرائهم، أم إن البنود الواردة في مسوّدة القانون، الذي نُوقِشَ مؤخراً مع الكثير من الصحفيين الأكاديميين والإعلاميين، سوف تضمن حقوقهم وتحميهم من انتهاكات قد يتعرضون لها أثناء عملهم، وتحدُّ من تدخّل الجهات السياسية والأمنية والعسكرية في العمل الإعلامي؟ حيث شهدت المنطقة مخالفة ومعاقبة بعض الصحفيين والوسائل الإعلامية، في السنوات السابقة، من دون الاستناد إلى لوائح قانونية أو حتى إحالتها إلى القضاء.
يعمل مكتب الإعلام (الجهة الإعلامية التنفيذية الرسمية والمُشرفة على شؤون الإعلام وأدواره)، التابعُ للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، بالتنسيق مع اتحاد الإعلام الحر (مؤسسة نقابية مستقلة) منذ عامٍ على تعديل وإصلاح قانون الإعلام.
ويعد إصلاح القوانين عملية؛ تتمثل في دراسة القوانين الموجودة بالفعل، وفي الدعوةِ إلى إجراء تغييرات في الأنظمة القانونية وتنفيذها؛ بهدف تعزيز العدالة أو الكفاءة. وعادة ما يرتبط إصلاح القوانين بهيئات أو لجان مختصة، تمثل المؤسساتِ التي أُنشئتْ تسهيلاً للعملية الإصلاحية تلك، إذ تعمل على إجراء أبحاث واقتراح سبل، يمكن من خلالها تبسيط وتحديث القوانين، وعادةً ما تكون تلك المؤسسات مستقلة عن سيطرة الحكومات، وتكفل الاستقلال الفكري في آلية تحديث القوانين. وما يمكّنها من اتباع أساليب موضوعية لإصلاح القوانين إما إلغاءُ القانون ووضع قوانين جديدة، أو الدمج بين القوانين (تغيير القانون الحالي) واستحداث بنود جديدة تضاف إليه.
كما تعد القوانين من أهم وسائل الضبط الاجتماعي، بل هي ركائز يعتمد عليها المجتمع المنظّم في ضبط سلوك أفراده. فالقانون يقوم بدور أساسي في حفظ تلاحم المجتمع واستقراره، عن طريق ضبطه العدالةَ والأمنَ والحرية، عبر الالتزام ببنوده.
لكن يبقى هذا الكلام نظرياً، أما عملياً فالسؤال هو: هل يحقّق قانون الإعلام الأهداف التي يأملها واضعوه، ويطمح إليها الإعلاميون، أم سوف يبقى حبراً على ورق؛ كما كان منذ قرابة خمسة أعوام؟!
من خلال عملي في مجال الإعلام، ومتابعتي الوسط الإعلامي، وكوني رئيسة مشتركة لاتحاد الإعلام الحر أيضاً، الذي يعد الجهة الوحيدة التي تعمل في المنطقة دفاعاً عن حقوق الصحفيين، فقد وردتنا شكاوى من الصحفيين والإعلاميين العاملين في مناطق شمال شرقي سوريا، حول انتهاكات حصلت بحقهم من قبل مؤسسات الإدارة الذاتية أو بعض العاملين فيها. وكان من صلب عملنا في الاتحاد التدخل المباشر والتواصل مع الجهات المعنية، من خلال كتاب خطي موجه إلى تلك الجهة المنتهِكة، أو بالتواصل المباشر هاتفياً أو حضورياً؛ للحدّ من تلك الانتهاكات التي تباينت في شدتها من صحفي إلى آخر، إذ واجه الصحفيون صعوبات كثيرة في الحصول على المعلومة التي يركز عليها قانون الإعلام في مبادئه العامة، حيث كانت المحسوبيات والوساطات تلعب دورها في الوسط الإعلامي، وتعرّضَ البعض للسبّ والشتم من قبل بعض الأفراد العاملين في مؤسسات الإدارة الذاتية، وتعرض آخرون للتشهير، في حين تنص المادة (32) من قانون الإعلام، الفصل الثاني عشر (المخالفات والعقوبات) على أنه: "يُعاقَب كل شخص، أياً تكن صفته، وفق قانون العقوبات العامة للمقاطعة؛ إذا أهان صحفياً أو إعلامياً أو تعدّى عليه بسبب عمله أو خلال تأديته". وفي بعض الحالات، تم الحجز على أجهزة الإعلامي من كاميرا وموبايل، وحذف محتواهما دون رادع، على الرغم من حيازة الإعلامي على مهمة عمل رسمية من مكتب الإعلام، كما وصلت الانتهاكات في بعض الحالات إلى الدفع والضرب وكسر الكاميرا، فضلاً عن صدور قرارات بتعليق عمل بعض الصحفيين وإغلاق مكاتب لمؤسسات إعلامية، دون وجود مواد واضحة في القانون الذي تستند إليه الجهة التنفيذية.
وهنا من الجدير بالذكر، عدم وجود لوائح قضائية تخص مهنة الإعلام، يتم بموجبها مقاضاة أو معاقبة الصحفي؛ حالَ انتهاكه المعايير المهنية للصحافة. كما لا توجد أي بنود أو لوائح تخص مهنة الإعلام في ميثاق التفاهم الجديد للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، بينما كان يذكر في الفصل السابع من (العقد الاجتماعي للفيدرالية الديمقراطية في روجافا – شماليّ سوريا) المادة /77/ أن مؤسسة الإعلام والنشر والمعلومات "تنظم نفسها بصورة مستقلة وفق أسس الإعلام والنشر الحر والديمقراطي. تساعد على تطور مؤسسات الإعلام والنشر، وتساندها، وتؤمِّن أنشطتها الإعلامية الحرة ضمن الأطر القانونية. لا تسمح بالاحتكار في مجال الإعلام والنشر، بل تراقب وتشرف على تحقق حرية الإعلام بموجب حرية المجتمع في تلقي الأخبار والمعلومات اللازمة. وهي مكلفة أيضاً في تأمين الدعم المادي لكافة أجهزة الإعلام والنشر بشكل عادلٍ ومتساوٍ وفق الأطر القانونية". ما المقصود بمؤسسة الإعلام والنشر؟ هل هو المجلس الأعلى للإعلام؟ وما هي الأطر القانونية التي تطرقت إليها المادة؟ وتضيف المادة أنه: "تتكون المؤسسة من عدد كافٍ من الأعضاء، يُنتَخَبون من قبل المؤتمر أو مجالس الأقاليم، يتكونون من ممثلي مجموعات وشرائح اجتماعية". في هذه الفِقْرة من المادة ذاتها، ومن خلال متابعتي، لم يُنتخَب أعضاءُ المجلس الأعلى للإعلام آنذاك، ولم يُعقَد أي مؤتمر ليُنتَخبَ من خلاله أعضاءُ المؤسسة أو المجلس، بل تم تعيينهم من قبل المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية. والسؤال: هل عُيّنَ أعضاءُ المجلس وفقاً لمعايير مهنية معينة؟ وهل لديهم من مؤهلات وكفاءات تعدّ من الضرورات لممارسة عملهم الإداري في المجلس؟ في هذه الجزء بالتحديد يُفترض أن يكون مجلس الإعلام مستقلاً بذاته وغيرَ تابع للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية؛ ليكون بذلك حيادياً في اتخاذ القرارات، ومحافظاً على مبادئ حرية الرأي والتعبير، وضامناً العدالةَ والتنوع الإعلامي وعدمَ التدخل في صلاحياته.
فمن الضرورة بمكان، ومن خلال تعديل القانون، توضيح الكثير من الأمور المبهمة التي تخص الإعلام والإعلاميين في المنطقة، والتي وردت في العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية وفي قانون الإعلام؛ خاصةً مع ازدياد المؤسسات الإعلامية العاملة في المنطقة، وازدياد عدد العاملين في المجال الإعلامي، والفوضى الإعلامية التي تفشّت - إن صح التعبير - في الوسط الإعلامي منذ بداية الأزمة السورية، وعدم التزام بعض الإعلاميين بالمعايير المهنية، وأيضاً تضارب الصلاحيات والتدخل المباشر وغير المباشر من قبل بعض الجهات السياسية والأمنية والعسكرية في العمل الإعلامي.
كان من المهم جداً مناقشة مسوّدة القانون المعدَّل مع أكاديميين وصحفيين من ذوي الخبرة، والأخذ بمقترحات العاملين في الوسط الإعلامي من غير استثناء؛ للخروج بصيغة قانونية مناسبة وطويلة الأمد؛ حفاظاً على حقوق الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية على حد سواء، وللدعوة إلى صون المعايير المهنية للصحافة، والتزاماً بميثاق الشرف الصحفي والضوابط الأخلاقية لمهنة الصحافة.
وللوصول إلى إعلام حر يتمتع بحرية الرأي والتعبير ولترسيخ قيم الحرية والديمقراطية ومنح الصحفيين مزيداً من حرية العمل، دون منعهم من الحصول على المعلومات ونشرها أو بثها، يتوجب التزام الجهات المعنية كافة بأحكام القانون ولائحته التنفيذية واحترامها، والحد من البيروقراطية، وعدم التدخل في صلاحيات مكتب الإعلام في الإدارة الذاتية، والانفتاح أكثر على مهنة الإعلام. كما يتوجب على الاتحادات والنقابات الصحفية ومكتب الإعلام، في شمال وشرق سوريا، متابعة آلية تطبيق القانون وضمان الالتزام ببنوده من قبل الجهات المعنية والمؤسسات الإعلامية والإعلاميين كافةً.
