call us now

(+964) 751-4413372

تنميط المرأة وتحوّلاتُهُ في شمال وشرق سوريا

2020-10-26
إدريس بيران

ليس من المنطق السليم، بأي حال من الأحوال، البناء أو الانطلاق من الأحكام المسبقة على مختلف الأشياء في الواقع، فكيف والأمر يتعلق بكائن عاقل "كالمرأة"، يتمتع بكامل الأهلية في حق وحرية الحياة الممنوحة للجميع دون منة أو وصاية من أحد أو من أي كائن. لكن، ثمة أنماط فرضتها الصيرورة التاريخية والواقعُ المَعيشُ على الأذهان، لا سيما في الشق الاجتماعي والمعرفي، والسلوكات المنبثقة عنها، تبعاً لها ومن ضمنها تلك الصورة النمطية لشخصية المرأة عموماً.

من هذا المنطلق، إلى أن يتشكل لدى الفرد ثم المجتمع تلك الصورة النمطية عن شخصية المرأة، نحدد ونخصّ بالذكر هنا صورة وشخصية المرأة في الوسط والواقع الجغرافي والتاريخي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي؛ وصولاً كنتيجة إلى الواقع الإداري الصاعد، عموماً، في مناطق شمال وشرق سوريا، وتطورِ مكانة المرأة فيها، والذي لم يكسر أي سياقات نمطية ملحوظة وعامة عن المرأة بقدر ما أنتج مخاضاً وتحولاً في السياق النمطي المستمد من الواقع الاجتماعي والمعرفي، القريب - والبعيد عن صورة وشخصية المرأة.

في السياق الجغرافي والتاريخي والديني، لا يمكننا الفصل، بأي شكل من الأشكال، بين تطور وتقدم وصيرورة التحولات النمطية والفكرية لشخصية المرأة، في شمال وشرق سوريا، بمعزل عن واقعها وملامساتها؛ وكجزء لا يتجزأ من تلك الصيرورة التاريخية لشخصية المرأة وسياقات تطورها في ميزوبوتاميا (بلاد ما بين النهرين) عموماً، إلا في جزئيات جغرافية وثقافية، قد تتمثل بالبادية في أقاليم الجنوب الشرقي لمجرى الفرات.

أما في السياق ذاته التاريخي، وتبعاً للشق المعرفي والثقافي، اللافت والمألوف عنها، فقد تمثلت المرأة كإلَهة ذات حاكمية في واقعها المَعيش آنذاك، وإبّان العصر النيولوتي وفجر انبثاقه، لذا جُسّدتْ لها صور الآلهة في الفلسفات الروحية المختلفة في ميزوبوتاميا، منذ بروز دور المدن فيها ونشوء الفكر الدَّوْلاني عموماً، كالآلهة: إنانا، أرديسورا أناهيتا، عشتار...

الأمر الذي أدى بدوره إلى تقديس المرأة، واستمرار قدسيتها تباعاً، وفي التعاقب الفكري والفلسفي والروحي، وبأنماط وأشكال ثقافية ومعرفية؛ جسدت طابعاً سلوكياً خاصاً بها، وبأنماط متشابهة ومتقاربة في الوعي المعرفي لمجتمعات ميزوبوتاميا عموماً. لكن، لا يخفى تقلص دور المرأة تدريجياً، بدءاً من تلك العصور وتعاقب الفلسفات الروحية والثقافات، عموماً، إلى أن تشكلتْ ووصلت المرأة بذلك إلى النمطية السائدة عنها، وفي عصرنا الراهن.

حيث إنه في الجانبين الاجتماعي والثقافي في العصر الحديث، خضعت المرأة للثقافة المُحافِظة، كسِمة للمجتمع في غالبيته؛ ما حدا بسياق تطورها القيمي والحقوقي مقارنةً بالرجل عموماً، غير أن ثقافة المجتمع في شمال سوريا، ومناطق الجزيرة خصوصاً، كانت - وما تزال - أكثر انفتاحاً على واقع المرأة، مقارنةً بالثقافة السائدة في مناطق حَضَرية مختلفة في البلاد. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد شاركت وساهمت المرأة في مناطق الشمال عامة والجزيرة خاصة، وفقاً للإمكانات المتاحة فيها وفي العقود الأخيرة، بفاعليةٍ في السلك التعليمي بكل مفاصله وتخصصاته إلى جانب الرجل، ما أدى إلى نشوء أجيال متعلّمة في غالبيتها، وهذا أدى بدوره إلى تليين الذهنية المتشددة. نستدل بهذا على تعاظم دور ومشاركة المرأة نسبياً في مجمل علاقات المجتمع وعلى مختلف الصعد، لكن هذا لا ينفي الجانب التمييزي حيال المرأة في المجتمع؛ فما تزال المرأة مغبونةً في الحقوق المدنية المختلفة مقارنةً بالرجل، وتحت وصايته؛ يقرر عنها في أغلب شؤون حياتها.

أما في الشق المتعلق بالمرأة ذاتِها، فبرغم ممارساتها المعاصرة والمدنيّة شكلاً
وتقليداً فاقعاً واستهلاكاً بصورة عامة، غير أنها تُخضِع ذاتَها، ضمنياً، لأعراف وسمات الثقافة الاجتماعية الموروثة، ولم تتحرر جوهرياً منها. بتعبير آخر، هي تفتقر إلى الوعي الحَضَريّ والسلوكِ الموائم له. لذا، فقد نتج عن تلك التناقضات تشابكٌ ومخاضٌ داخل المجتمع، حيال مجمل القضايا الفعلية للمرأة بإزاء ما للرجل في ذلك؛ من مساواة واتخاذ شخصيّ للقرارات إلى غير ذلك مما يخصّ القواسم الحياتية المشتركة بينهما. إنها كائن عاقل ذو إرادة، وليس في حاجة إلى فرض وصاية عليه.

بالعودة إلى السياق ذاته، في ظل ادعاءات تحرر المرأة، ولو نسبياً، لم يُلحظ أو يُسجّل أيُّ بروز لاقتصاد مستقل للمرأة، لا بصيغة فردية ولا بصيغة أي وعي مجتمعي حقيقي وهادف، في شمال وشرق سوريا عموماً، وبرغم تبوّء المرأة مناصبَ مختلفة في الإدارة، أو حصولها على بعض فرص العمل هنا وهناك، لم يُنشَر إلى جانب ذلك وعيٌ فكري؛ يهدف إلى تحررها الفعلي لا الشكلي والاستهلاكي، وبناءً على مبدأ أن الاقتصاد المستقل يمثل استقلالية القرار، ومدى النسبية في ذلك يمثل مدى التحرر للفرد والجماعات.

أما في السياق السياسي والإداري، قد يوحي الواقع بمشاركة ملحوظة للمرأة في القطاعات التنظيمية والعسكرية والإدارية والسياسية المختلفة؛ فقد نشهد تحولاً غير نمطي في الجانب العسكري ولو نسبياً أو في المعدل المتوسط، ولعل ذلك يعود إلى الاهتمام البالغ بهذا الشق، لكن لا يمكننا أن نصف مشاركتها في الجوانب الأخرى بالفاعلية المأمولة. لذلك، ليست قضايا المرأة وحدها ما يستلزم الوقوف بقدر ما بات مفروضاً خَلاصُ المجتمع بكلّيّته من المخاض الذي يعانيه، ويؤرقه.

بالعودة إلى السياق العام، واستناداً إلى الركائز الثقافية والمعرفية للمجتمع، ثمة تساؤل مؤرِّق حيال المخاض الحاصل في المجتمع، وكيفيةِ فرزه حيال قضايا المرأة، وضرورةِ شق طريق الحلول لها. من موقعي كَرجل وبلسان حاله، قد أكون متمتعاً بسمات الثقافة الذكورية بشكل بالغ وبأعراف الثقافة السائدة، وبناء عليه قد لا يهمني في الجوهر التحررُ التام للمرأة ومساواتُها التامة مع الرجل، ببساطة لأن ذلك يُفقِدني بعضَ مكتسباتي؛ كرجلٍ يسودُ كامل تفاصيل الحياة الاجتماعية، أو قد لا يروق لي ذلك من حيث الجوهر عموماً. ومن جهة أُخرى، باتت المرأة تشكل عبئاً ثقيلاً عليّ كرجل. وبحكم مخالفاتها الراهنة للعُرف الثقافي المجتمعي السائد وموروثاته الفاعلة، إذاً ما هي الحلول المتاحة للحدّ من هذا التناقض والمخاض الحاصلين، خاصة في العقد الراهن والفاقع؟

أعتقد، كصيغة حتمية، أن الحلول الجذرية تكمن في شق الطريق بإجراءات راديكالية تقدمية، واعية وفارضة، تضمن تخليص المجتمع بالدرجة الأولى من أزمته الثقافية وتناقضاتها الفعلية، وهنا باتت الحلول تفرض نفسها بصيغة قوانين مدنية عامة ونافذة ومجردة تماماً من التمييز الجنساني للأفراد في المساواة أمام القانون وفي مجمل قضايا الحياة، والحرص على إبعاد التعاريف والمفاهيم التي ترسّخ للجنسانية في مجمل صياغات القوانين والمحاكم، إلى جانب التفعيل والاستناد إلى حَرفية القوانين لمختلف القضايا بصورة قطعية وكأفراد متساوين أمام القانون بصورة كلية، مما يضمن صياغات قانونية لا مهرب منها لأحد، ويرمى بثقل العرف الثقافي الذي يكبحها، في وعي ولاوعي المجتمع عموماً، ومع التتابع الضئيل للزمن نسبياً.

بالتأكيد، هذا لا ينفي راديكالية فجة في بدايات التطبيق، ونظراً للإرث
الثقافي المتشعب عموماً. لكن، إلى جانب ذلك أيضاً، يجب العمل على توعية المجتمع فعلياً، وزرعِ الفكر الانفتاحي فيه بصورة مكثفة ممنهجة؛ تحيط بكل الجوانب والتفاصيل، فالنقلة النوعية للمجتمعات تتطلب جهوداً نوعية مضنية ومدروسة، مع نبذ الشكلية والصورة التجميلية والاستهلاكية لتفاصيل وقضايا المجتمع، وكما هو الحال السائد لها في الصور والتجليات المجتمعية المختلفة في البلاد.


البيان المشترك لشبكات ومؤسسات المجتمع المدني السوري حول التوطين وتعزيز القيادة المحلية مخرجات مؤتمر حلول محلية لتحقيق أثر مستدام

شاركت منصة مؤسسات المجتمع المدني في شمال وشرقي سوريا – NGO Platform في أعمال مؤتمر العمل والتعافي الإنساني من أجل سوريا، الذي جمع أكثر من...

Read more
ختام أعمال مؤتمر العمل والتعافي الإنساني من أجل سوريا

اختُتمت بين 1 و3 ديسمبر أعمال مؤتمر العمل والتعافي الإنساني من أجل سوريا بمشاركة واسعة من المنظمات المحلية والدولية، حيث شاركت منصة مؤسسات المجتمع المدني...

Read more
موقف مشترك حول الحاجة إلى خطاب مدني مسؤول في ضوء بيان “مدنيّة” حول شمال وشرق سوريا

تتعاظم مسؤولية الفاعلين المدنيين اليوم مع ازدياد هشاشة المشهد السوري واستمرار الانقسام المجتمعي. وفي لحظة دقيقة كهذه، يصبح الموقف المدني عنصراً بالغ الأهمية في حماية...

Read more